«جمعة» العرب و«سبت» إسرائيل

ت + ت - الحجم الطبيعي

العطلة الأسبوعية عند العرب يوم الجمعة الذي تحول منذ بداية ربيع الثورات العربية مطلع هذا العام إلى يوم مشهود يتجمع فيه عشرات، وربما مئات الآلاف في أكبر الميادين، أما عند اليهود في إسرائيل فيوم السبت هو العطلة الأسبوعية .

والذي تحول أيضاً إلى يوم مشهود مع اندلاع مظاهرات الاحتجاجات الشعبية في العاصمة الإسرائيلية تل أبيب ومدن أخرى، ولازالت حركة الاحتجاجات مستمرة في المدن الإسرائيلية، إذ يخرج كل يوم سبت عشرات الآلاف من المواطنين الإسرائيليين إلى شوارع المدن في مسيرات تضامن مع المعتصمين بشكل دائم في الخيام ضد السياسات الاقتصادية للحكومة.

وتتباين مطالب المحتجين الذي اعتصموا في خيم نصبوها بساحات المدن الرئيسية في إسرائيل. وتعد كل خيمة من خيام المعسكر الذي نصبوه على امتداد شارع روتشيلد وسط تل أبيب موطناً لمجموعات مختلفة، كل مجموعة لديها مطالبها الخاصة.

وتشير الأنباء إلى وجود خيمة خاصة بآباء يطلبون المساعدة لرعاية أبنائهم المعاقين إلى جانب خيمة أخرى للطلاب وعلى مقربة منها تقع خيمة للعائلات التي لا تستطيع تحمل تكاليف استئجار منزل بسيط، ولكن الكل اتفق على التظاهر احتجاجاً على شيء واحد وهو غلاء المعيشة.

التشابه كبير بين احتجاجات السبت في إسرائيل وقرينتها في جمعة العرب، مطالب شعبية ومقاومة وانتقادات واتهامات من السلطة الحاكمة، حيث تتهم الأنظمة العربية المتظاهرين بالتآمر والتعامل مع جهات أجنبية وعدم الوعي والفوضى المدمرة.

بينما في إسرائيل يرون أن مطالب المحتجين غير واقعية وخاصة أن المشكلة أعمق وأكبر فهي أزمة مالية عالمية، ولم تخل اتهامات السلطة الإسرائيلية للمتظاهرين من مؤشرات التخوين والاتهامات بوجود جماعات يسارية وأفكار شيوعية في ساحات التظاهرات، ويشير البعض للمهاجرين الروس باعتبار أنهم الأكثر تشبعاً بالأفكار الشيوعية، والأكثر وعياً بالسياسة من باقي سكان إسرائيل.

حيث كتب البعض يقول إن إسرائيل لم تشهد في تاريخها مثل هذه الاحتجاجات التي ظهرت فقط بعد تزايد أعداد المهاجرين الروس وتشكيلهم لحزبهم «بيتنا إسرائيل» وزيادة نشاطهم وتواجدهم على الساحة السياسية في إسرائيل، وأيضاً طموحاتهم للوصول للحكم والسيطرة على الدولة اليهودية، وكتب بعض المحللين الإسرائيليين يتوقع أن تدار إسرائيل في المستقبل من داخل الكريملين في موسكو.

رغم كل هذه الرؤى والتحليلات فإن الواقع المعيشي داخل إسرائيل يؤكد أن الشعب هناك يعاني بالفعل من مشاكل اقتصادية ومعيشية واجتماعية متفاقمة، وأن الحركة الاحتجاجية الحالية ترجع إلى تراجع قدرة الطبقة الوسطى على مواجهة الأعباء المالية للحياة نظراً لارتفاع تكاليف المعيشة بصورة حادة في مختلف متطلبات الحياة الأساسية والضرورية.

و«لكنها من جانب آخر حركة نابعة من مجتمع تشكل تاريخياً من هجرة واستيطان، وتكوّن على حساب الغير وتسود فيه روح العنصرية وعدم الإحساس بآلام ومعاناة ضحاياه ولا يزال يخوض صراعاً مباشراً ضدهم، وتفيد التقارير الاقتصادية الرسمية أن 29% من السكان يواجهون خطر الانزلاق إلى الفقر.

واعتبر التقرير الذي نشرته دائرة الإحصاء المركزية الإسرائيلية، هذه النسبة عالية جداً قياساً بالدول الأوروبية التي تصل فيها النسبة المذكورة إلى 16% فقط. والجدير بالذكر، أن السكان الذين يواجهون خطر الفقر هم العائلات التي تصل نسبة الدخل فيها إلى 60% من متوسط الدخل الصافي للفرد.

ووعد وزير المالية الإسرائيلي بأن الحكومة ستتخذ إجراءات للجم ارتفاع تكاليف المعيشة، موضحاً أن رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو يعتزم تشكيل فريق خاص لدراسة المطالب، التي عبر عنها السبت أكثر من 300 ألف متظاهر نزلوا إلى الشوارع للمطالبة بالعدالة الاجتماعية. وعود الحكومة الإسرائيلية بالاستجابة لمطالب المتظاهرين تشبه إلى حد كبير وعود الأنظمة العربية بالإصلاحات، والشعب الإسرائيلي مثل الشعوب العربية لا يصدق ولا يثق في هذه الوعود، وهناك تشابه آخر بين الحالتين، وهو سعي كافة القوى السياسية في إسرائيل لركوب موجة الاحتجاجات والتظاهرات، وتوجيه كافة الأحزاب انتقادات حادة لحكومة نتانياهو وتكتلاتها الحزبية.

وإن كان الفارق الواضح هو غياب الاتهامات بالفساد والإثراء على حساب الشعب في إسرائيل، حيث إن السلطة الحاكمة في تل أبيب، بعكس قريناتها في الدول العربية، لا تبقى في الحكم لسنوات طويلة تسمح لأفرادها بالفساد وتكوين الثروات، والاتهام بالفشل في السياسة وإهمال مصالح الشعب هو السائد في إسرائيل. التظاهرات والاحتجاجات في إسرائيل لا تقل خطورة عن قرينتها في الدول العربية.

وذلك بالقياس على الحالة الأمنية في إسرائيل المحاطة بأعدائها من كل الجهات، ومن المتوقع أن تستخدم السلطة الإسرائيلية العنف والقوة لفض هذه التظاهرات إذا تجاوزت حدودها وخرجت عن السيطرة، وهذا هو المتوقع من تصميم المتظاهرين هناك على زيادة الحشد والتجمعات كل يوم سبت، الأمر الذي يعني أن سبت اليهود في إسرائيل سيرافق جمعة العرب لفترة طويلة قادمة يصعب التكهن بنتائجها الآن.

 

Email