لا تزال برامج الحملات الانتخابية للمرشحين في انتخابات 2006 عالقة في الذاكرة الجمعية، خاصة تلك الوعود الرنانة التي أطلقها بعضهم حينها، وأصبحت في مهب الريح وتحولت إلى شعارات لا تسمن ولا تغني من جوع، بعد أن انقضت فترة الانتخابات وفاز بعضوية المجلس الوطني الاتحادي من فاز وخسر من خسر. فكان الصمت رفيق بعض من انتخب على مدى أربع سنوات قضاها تحت قبة البرلمان، ولم نر أي تحقق لتلك الوعود التي قطعها المرشح الفائز على نفسه أمام ناخبيه، وبالتالي كان مصيرها إلى أرشيف الذاكرة الوطنية تحت بند "حبر على ورق".

وعودٌ على بدء، نشهد اليوم التجربة الانتخابية الثانية، التي تشتد فيها المنافسة بين المرشحين وتستمر حتى يوم الرابع والعشرين من سبتمبر الجاري، وهو موعد إجراء الانتخابات على مستوى إمارات الدولة، الذي حددته اللجنة الوطنية لانتخابات 2011، حيث إننا نلاحظ المشاهد نفسها تتكرر، من خلال البرامج الانتخابية التي يتبناها بعض المرشحين، وما تشتمل عليه من وعود وشعارات براقة تتجاوز الواقعية إلى حدّ كبير، إذ لجأ العديد من المرشحين هذه المرة إلى تقديم وعود خيالية ـ ظنّاً منهم أنها ستستقطب أصوات الناخبين ـ دون تمعنٍ ولا إدراك لحجم هذه الوعود وقدرتهم على تنفيذها، ومنها على سبيل المثال: توطين الوظائف، والقضاء على البطالة، وإصلاح خلل التركيبة السكانية، وتوزيع المساكن على المواطنين، وغيرها من الوعود التي ـ على أهميتها ـ تجاوزت صلاحيات المجلس الوطني الاتحادي.

صحيح أن المجلس يعدّ السلطة الرابعة بين السلطات الخمس التي نص عليها الدستور في الدولة، وهي: المجلس الأعلى، ورئيس الدولة ونائبه، ومجلس وزراء الاتحاد، والمجلس الوطني الاتحادي، والقضاء الاتحادي. لكن هذا لا يعني أن العضو مطلق الصلاحيات، فلكل سلطة صلاحيات محددة، حيث تنحصر صلاحيات المجلس الوطني في دوريه التشريعي والرقابي. وفي ممارسته لوظيفته التشريعية من خلال مناقشة التعديلات الدستورية، ومشروعات القوانين التي له أن يوافق عليها أو يعدلها أو يرفضـها، وإبداء ما يراه من ملاحظات على ما يُخطر به من معاهدات واتفاقيات دولية وما يحيله إليه رئيس الدولة من اتفاقيات ومعاهدات، ومناقشة ميزانية الدولة وحسابها الختامي وإبداء ملاحظاته عليها. كما يمارس صور الرقابة السياسية من خلال أدوات محددة وهي: طرح موضوعات عامة للمناقشة وإبداء التوصيات، وتوجيه أسئلة، والفصل في الشكاوى المقدمة من المواطنين ضد جهات حكـومية اتحادية. هذا ما جاء وفقا للدستور.

إن هذه الوعود الانتخابية تنم عن عدم فهم لماهية المجلس الوطني والدور المنوط به، أو أن بعض المرشحين غير مدرك لخيالية الوعود التي يطلقها في حملته الانتخابية، وهذا يلقي بظلاله على صورة الأعضاء في المجلس، بل على العملية الانتخابية برمتها. إننا سعداء جداً بهذا الحراك الديمقراطي الإماراتي وما فيه من مظاهر التنافس الانتخابي (برامج انتخابية وإعلانات وندوات ومناظرات)، الأمر الذي يؤسس لثقافة الديمقراطية القوية، ويعمق الوعي السياسي لدى أبناء الوطن، وهو الهدف الذي سعت قيادتنا الرشيدة إلى تحقيقه ونجاحه من خلال هذه التجربة البرلمانية، وهي تعمل في الوقت ذاته على تفعيل دور المجلس، وإعطائه المزيد من الصلاحيات التي تواكب متطلبات المرحلة الراهنة بكل ما فيها من متغيرات ومستجدات وتطورات.

لقد كان على المرشح قبل أن يبدأ حملته الانتخابية، الاطلاع على دور المجلس جيداً والتعرف على صلاحياته، حتى يتسنى له فهم العمل والدور الذي سيتكفل به تحت قبة البرلمان في حال فوزه بالعضوية، وبالتالي لا يحمّل نفسه فوق طاقتها وعوداً غير واقعية وصعبة التحقيق، فـ"فاقد الشيء لا يعطيه". كما أن بعض المرشحين وضعوا حملتهم الانتخابية في يد شركات العلاقات العامة دون تدقيق منهم ولا متابعة، فصاغوا لهم برنامجاً انتخابياً خارقاً لا يمت للواقع بصلة، فأسقط في أيديهم، لسبب بسيط وهو أن أغلبية هذه الشركات لا يهمها في نهاية المطاف إلا الربح المادي، سواء نجح العميل أم لم ينجح.

وهذا الأمر بطبيعة الحال، لا ينطبق على كل المرشحين، فمنهم من هو عارف وفاهم لدوره ومتيقظ لما يدور حوله وفي محيطه، فالتزم المعقول والواقعي من خطط وبرامج انتخابية هادفة، لأن هناك الكثير من القضايا الوطنية والاجتماعية والثقافية المهمة، التي من المفترض أنها تسترعي انتباه المرشح بشكل طبيعي ليضمنها في برنامجه الانتخابي، وبالتالي تعود بالنفع والخير والرخاء عليه وعلى الناخبين وأفراد المجتمع عموماً. من هذا المنطلق يجب على المرشحين أن يتحلوا بالمسؤولية تجاه وطنهم وأنفسهم، وأن يراعوا مشاعر الناخبين والمجتمع بشكل عام، لأن عضوية المجلس الوطني ليست تشريفاً كما يعتبرها البعض ويصرح بذلك أمام ذويه، بل هي مسؤولية كبيرة تحمل الكثير من التحديات التي تحتّم على حامل العضوية أن يكون واعيا متسلحا بالقيم والمبادئ والثقافة والمعرفة، حتى يستطيع أن يؤدي دوره على أكمل وجه.

إن أفراد المجتمع اليوم على وعيٍ كبيرٍ بكل ما يدور حولهم، خاصة الناخبين الذين تقع على عاتقهم مسؤولية كبيرة في اختيار العضو الكفء، فهم مدركون لمصداقية البرامج الانتخابية من غيرها، ويعرفون مهمتهم الحقيقية جيداً، بعيداً عن تأثيرات القبيلة أو العشيرة أو المعارف الشخصية، فكلهم مسؤولون تجاه الوطن الذي حملهم أمانة التصويت باختيار أسمائهم ضمن الهيئات الانتخابية. فنحن أفراد المجتمع الإماراتي، نريد مجلساً وطنياً مفعلاً وأعضاء فاعلين.

وتأسيساً على ما تقدم، فإننا نوجز بعض النقاط التي يتوجب على المرشح أن يقف عندها ويتأملها ثم يتخذها منهج عمل، ليقي نفسه تبعات الوعود الانتخابية التي تفرضها عليه الغريزة الاجتماعية، التي تظهر عادة في حب الذات والأنانية وعدم مراعاة حقوق الآخرين. فيجب عليك أيها المرشح بداية، أن تعرف نفسك وتكون أنت ذاتك دون تصنّع أو تكلّف، وتأكد أنك ستجد الدعم الذي تريد للفوز بالعضوية ماثلاً أمامك، وأن تكون صادقاً مع نفسك ومع الوطن وأبناء الوطن، وتتحمل المسؤولية بأمانة تجاه أفراد المجتمع.

وتكون على دراية كاملة بصلاحيات المجلس الوطني والدور المنوط به، وواقعيا في برنامجك الانتخابي قدر المستطاع لتتحلى بالمصداقية أمام الناخب، وتكون عارفا ببنود دستور الدولة، لتتمكن من المناقشة وطرح الآراء والأفكار التي تتناسب والدستور، خلال الندوات والاجتماعات التي تقيمها خلال حملتك الانتخابية، أو أثناء الجلسات البرلمانية في حال فوزك بالعضوية، وأخيراً، أن تكون متبحراً في قضايا الوطن الكبرى والصغرى، وهموم المواطن والمجتمع عموما.

كل التوفيق للمرشحين لانتخابات 2011، والاختيار المناسب للناخبين الذين سيدلون بأصواتهم ويرجحون كفة أفضل المرشحين.