حكومة الإمارات الإلكترونية والتنافسية في ظل التحديات

كلما غمرت الأفراح أيامنا، ازددنا حمداً لله العلي القدير، وازددنا ابتهالاً إليه سبحانه بأن ينبت مزيداً من أزهار الفرح في دروبنا. كل عام والإمارات بخير. كنت وبعض زملائي نتبادل التهاني بعيد الأضحى واحتفالات اليوم الوطني، عندما أتانا نبأ فوز البوابة الرسمية لحكومة الإمارات (حكومة امارات) بجائزة أفضل بوابة رسمية على مستوى دول مجلس التعاون الخليجي، وذلك في سياق الدورة الثانية لمؤتمر ومعرض الحكومة الإلكترونية الخليجية المنعقد في دولة الكويت الشقيقة. إنجاز جديد! نحمد الله الذي لا يضيع أجر من أحسن عملاً.

 في تلك اللحظات بالتحديد، ذكّرني زميل بما كنت طرحته في كلمة لي قبل عامين، لدى مشاركتي في الدورة الأولى لمؤتمر ومعرض وجائزة الحكومة الإلكترونية الخليجية في سلطنة عمان الشقيقة في أواخر 2009.

كنت يومئذ أقود وفداً يمثل دولة الإمارات، في حدث خليجي مفعم بالحيوية والتنافس. فالكل كان متلهفاً لعرض أفضل ما لديه وتمثيل بلده بشكل لائق، بقدر تلهفه للظفر بأكبر قدر من الجوائز ضمن الفئات المطروحة.

شاركت الإمارات يومها بتسع جهات حكومية محلية واتحادية، قدم كل منها مشروعاً أو برنامجاً للمنافسة على الجائزة. وعندما أعلنت النتائج ولم تحصل دولة الإمارات على أية جائزة من المرتبة الأولى، نظرنا إلى بعضنا بعضاً وقلنا: لا بأس، فالمشاركة في حد ذاتها فوز، والآتيات أكثر من الغاديات. قلنا ذلك وكل منّا يحاول إخفاء غصة سرت في حلقه.

لتلك الغصة قصة، شرحت بعضاً من جوانبها عندما صعدت إلى المنصة. فكان كلامي في مجمله عن التحديات والمعيقات، ولم يخفَ على أحد أنني سلطت الضوء على جوانب سلبية، فظهرت كالمتشائم، وأنا الذي دائماً ما أقول "تفاءلوا بالخير تجدوه". تحدثت عن التحديات التي تعترض حكومة الإمارات الإلكترونية، من شح في الموارد البشرية المؤهلة، ونقص في الموارد المالية المخصصة، وغموض في التفويض.. إلخ.

وأشرت بمرارة إلى شعوري بأن هذا المشروع الاستراتيجي المهم، قد خرج على ما يبدو من دائرة الرادار؛ رادار صانع القرار. لم تأت ملاحظاتي تلك من فراغ، إذ كان من الواضح أن الحكومة الإلكترونية الاتحادية في الإمارات تراوح مكانها، والمراوحة ليست صفة إماراتية معهودة كما تعرفون.

ولم يمض وقت طويل حتى توالت أحداث، أكدت لنا أن المراوحة لا تشبه إلا الرجوع إلى الخلف. ففي يناير 2010، صدر عن الأمم المتحدة تقرير مؤشر الجاهزية الإلكترونية، الذي أظهر أن دولة الإمارات تراجعت من المرتبة 32 إلى المرتبة 49 عالمياً. وعلى مستوى المنطقة، حققت مملكة البحرين الشقيقة تقدماً أثار إعجابنا جميعاً، إذ بلغت المركز الثالث عشر عالمياً والثالث آسيويا، وبطبيعة الحال؛ الأول عربياً وخليجياً، فيما تخلت الإمارات عن مركز الصدارة الذي اعتادت عليه.

حسناً، انفض الحدث العماني، وعاد كل منا إلى بلده، وفي الأيام القليلة التالية، جلسنا نتبادل الرأي ونستقي الدروس. بدأنا بتوصيف الموقف، واتفقنا على أن الحدث باغتنا ولم نكن جاهزين له، وأن التحديات أثقل من أن نستطيع تجاوزها لتحقيق اختراق في فترة وجيزة. زين! وماذا بعد؟ كان هذا هو السؤال المركزي الذي سلطنا عليه جل اهتمامنا. هل سنتوقف كثيراً أمام جسامة التحديات ونكتفي بالتماس الأعذار لأنفسنا؟ لعلكم تعلمون الآن طبيعة الجواب الذي توصلنا إليه في ذلك الوقت: فقد اتفقنا على أن نعمل ونعمل، رغم أنف الظروف والتحديات.

وإذا كنّا خرجنا من الدورة الأولى لمؤتمر الحكومة الإلكترونية الخليجية بنتائج متواضعة للغاية، فأمامنا عامان لكي نستعد للدورة الثانية. نعم، لدينا متسع كبير من الوقت كي نحتال على التحديات والمعيقات. كان قرارناً أكثر عناداً من كل التحديات: في الدورة الثانية من الجائزة (دورة 2011) سنحقق نتائج تليق بريادة دولة الإمارات وسيرتها في الإنجاز، وتليق بمدى حبّنا لوطننا المعطاء ولقيادتنا الرشيدة، وعندئذ فإن الإنجاز الذي سنحققه هو الذي سيعيدنا بقوة إلى شاشة "الرادار"، ويعيد لبرنامج الحكومة الإلكترونية الاتحادية كل الاعتبار.

وها هو الفوز قد تم، ليعزز إيماننا بإمكانية التغلب على الظروف عندما يتعلق الأمر بخدمة الوطن وتعزيز تنافسيته إقليمياً وعالمياً. ومن حسن الطالع أن هذا الإنجاز الإماراتي، جاء بعد أقل من أسبوعين من تلك الدعوة الحكيمة التي أطلقها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، والتي أشار فيها إلى أن تحقيق التنافسية العالمية لدولة الإمارات مسؤولية عامة، تشترك فيها الحكومات المحلية والاتحادية ومؤسسات القطاع الخاص. إنني، وبكل تواضع، أعتبر ما قمنا به بمثابة مثال على تعزيز التنافسية.

وأستطيع التأكيد على أن المزيد سيأتي على الطريق في مجال الحكومة الإلكترونية، إن شاء الله. فنحن لم ولن نركن إلى هذا الإنجاز مهما بلغت أهميته بالنسبة إلينا، هذا درس متفق عليه ومفروغ منه لدى فريق حكومة الإمارات الإلكترونية. لكننا، في الوقت نفسه، نصبوا إلى دعم أكبر من صنّاع القرار لهذا البرنامج الحيوي، المتمثل في حكومة الإمارات الإلكترونية التي من المفترض أن تكون مظلة وطنية لبرامج تطوير العمل الحكومي، والتحول الإلكتروني على مستوى الوطن.

في هذه الأيام التي نحتفل فيها بالذكرى الأربعين لاتحادنا المظفر، أود الإشارة إلى أننا في دولة الإمارات، وفي كل مشاريعنا وخططنا، نستلهم رؤية 2021 التي تعلي من شأن العمل الاتحادي، وتضعه في مكانه الصحيح سابقاً للبعد المحلي ومتفوقاً عليه. وإزاء ذلك، من الطبيعي أن ينصبّ اهتمامنا على حكومة الإمارات الإلكترونية، حتى تكون التجسيد الإلكتروني لرؤية الإمارات 2021، ولنصبح متحدين في الحكومة الإلكترونية. ولا ننسى أن صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، أعلن في شهر مايو الماضي إطلاق البوابة الرسمية لحكومة الإمارات (government.ae)، كإطار جامع يتم من خلاله توفير كل الخدمات والمعلومات الحكومية، سواء كانت محلية أو اتحادية.

لقد كان في ذلك القرار ما يكفي من إشارات إلى أن حكومة الإمارات الإلكترونية، ستكون المظلة الاتحادية لكافة مشاريع وبرامج التحول الإلكتروني في الدولة. وقد جسدنا ذلك من خلال قيامنا بتنظيم منافسة وطنية، لاختيار المشاريع والتطبيقات والخدمات الإماراتية التي ستمثل الدولة في التنافس على جائزة الحكومة الإلكترونية الخليجية. وكان من الأسباب الإضافية لسعادتنا، أن المشاريع التي رشحناها لذلك الأمر قد حققت حضوراً لا يضاهيه أي حضور، فقد حصدنا ثلاثا من بين الجوائز الست الخليجية الكبرى، بالإضافة إلى جائزتين تقديريتين.

وفي هذا الصدد، أتوجه بالتهنئة إلى هيئة الصحة في دبي على فوزها بجائزة أفضل محتوى إلكتروني على مستوى مجلس التعاون، وإلى هيئة الطرق والمواصلات في دبي على فوزها بجائزة أفضل خدمة إلكترونية للجمهور (G2C)، وإلى صندوق الزكاة على فوزه بالجائزة التقديرية لأفضل خدمة إلكترونية للجمهور، وإلى الهيئة العامة للطيران المدني على فوزها بجائزة أفضل بوابة إلكترونية في القطاعات التنموية. وأنا على ثقة بأن الذين لم يحالفهم الحظ، والذين منعتهم ظروفهم من المشاركة في التنافس على جوائز الدورة الحالية، سيبدؤون من الآن الاستعداد للدورة المقبلة، والتي ستقام في أبوظبي سنة 2013 إن شاء الله.