مصر وتونس وليبيا وقفة عند ثلاث حالات عربية

ذهب إلى الأبد كل من حسني مبارك وزين العابدين بن علي ومعمر القذافي. لكن التشابه بين الثورات الشعبية في مصر وتونس وليبيا، توقف عند هذا الحد. فما هي الاختلافات والمآلات؟

في مصر لم يتمكن ائتلاف التنظيمات الشبابية، الذي فجّر ثورة الخامس والعشرين من يناير وقادها، من الاستيلاء على السلطة.. بينما في تونس أفضى الزخم الثوري إلى انتخابات ديمقراطية حرة، اكتسحها «حزب النهضة» الإسلامي، فصار بذلك مؤهلاً لتولي سلطة الحكم في إطار ائتلاف وطني. أما في ليبيا فإنه رغم أن جهاز السلطة يقوم على تسييره ـ حتى قبل اندحار نظام القذافي ـ مجلس انتقالي للسيادة، يتبع له مكتب تنفيذي يعمل مجلس وزراء، إلا أن أمر الحكم لم يحسم بعد بصورة نهائية.

الوضع في مصر يزداد تعقيداً مع مرور الأيام، خاصة إذا قورن بالوضع التونسي.

العملية الانتخابية التونسية أفرزت مجلساً تأسيسياً، ستكون مهمته الأساسية وضع دستور جديد للبلاد. ولا يبدو أن هناك أي مؤشر لأي عوائق يمكن أن تعترض مهمة هذا المجلس كسلطة تشريعية انتقالية، ومن ثم يبدو أن النقلات الدستورية والأساسية تسير في الهدوء المرتقب، أن حزب النهضة يبدي من المرونة الإيديولوجية والسياسية، ما صار له صدى طيباً لدى التنظيمات الأخرى التي تعتبر نفسها علمانية التوجه، إلى درجة أن الحزب أخذ يبدو في طروحاته المعلنة وكأنه تنظيم ليبرالي.

هذه البساطة والسهولة تبدو غائبة على صعيد الوضع المصري.

لماذا؟

عجز الائتلاف الثوري الشبابي عن الوصول إلى السلطة، هو في حد ذاته مصيبة. ومما يضاعف من هذه المصيبة دخول الجيش على الخط للاستئثار بالسلطة العليا وحده، لملء الفراغ السلطوي الذي نشأ عقب تنحي الرئيس مبارك. على الفور قام طاقم كبار الجنرالات بتشكيل «المجلس الأعلى للقوات المسلحة»، ومنذ ذلك الحين وحتى اليوم صار هذا التشكيل العسكري برئاسة وزير الدفاع المشير طنطاوي، يقوم مقام رئيس الجمهورية.

لقد كان الظن السائد هو أن مؤسسة القوات المسلحة قررت الانحياز إلى ثورة الشارع ودعمها وحمايتها، ثم التضامن معها في إجراءات تفكيك نظام مبارك و«الحزب الوطني». لكن مع مرور الأيام والشهور، لم يثبت عملياً سوى العكس.

بكلمة واحدة؛ فإن ما أراده ويريده المجلس العسكري الحاكم، هو الإبقاء على نظام مبارك من دون مبارك، مستخدماً فرمانات وحيلاً سياسية ودستورية، بقصد إعاقة المسار الثوري نحو إحلال الديمقراطية التعددية، وإحباط الأهداف الإصلاحية التي من أجلها تفجّر الفوران الشعبي في «25 يناير».

وصفوة القول هي أنه لم يعد مؤكداً ما إذا كانت ستعقد انتخابات برلمانية ورئاسية نظيفة، ضمن جدول زمني ينتهي إلى انسحاب طاقم الجنرالات من السلطة نهائياً، وتسليمها إلى حكم مدني.

الحالة الليبية تختلف عن كلتا الحالتين المصرية والتونسية، من حيث إن ما جرى في كل من مصر وتونس فورة شارع سلمية، بينما شهدت الساحة الليبية ثورة مسلحة مصحوبة بتدخل عسكري من الخارج. ومع تطورات الأحداث في الداخل الليبي، تبلورت قوتان: قوة من سياسيين تتولى الإدارة الدبلوماسية، وقوة من مجموعات ثورية مسلحة تتولى أمر القتال ضد قوات موالية للعقيد القذافي.

وبعد ذهاب القذافي وقواته القتالية في ذمة التاريخ، تتنازع الآن هاتان القوتان حول مسألة قسمة السلطة، على خلفية مناخ لا يمكن أن يوصف بأنه ودي.

الآن نتساءل: ما هي المآلات؟

في مصر سيواصل المجلس العسكري لعبة الكر والفر مع القوى السياسية. والسؤال الذي يُطرح هو: هل يتصاعد الاحتكاك اليومي بين المؤسسة العسكرية وأحزاب ثورة «25 مايو» إلى مستوى صِدام مباشر ومكشوف؟

بكلمات أخرى؛ هل تندلع ثورة شعبية ثانية من أجل تحقيق ما لم يتحقق حتى الآن من الأهداف العليا للثورة الأولى؟

في ليبيا.. هل تقبل ميليشيات الثوار بتسليم أسلحتها إلى السلطة السياسية المؤقتة، قبل جني الثمار السياسية لنضالها المسلح ضد النظام السابق؟ وهل يتطور التنازع على السلطة إلى اشتعال حرب أهلية؟

الوضع التونسي يبدو أنه الوضع الوحيد المرشح لصراع سياسي سلمي، في إطار ديمقراطية تعددية. ولكن هل تبقى القيادات السياسية المختلفة على التزامها بالمسار الديمقراطي؟

إجمالاً، لا تتوافر الآن أجوبة شافية عن الأسئلة المطروحة.. علينا أن ننتظر.

 

كاتب صحفي سوداني