عام على ثورة الياسمين

ت + ت - الحجم الطبيعي

بعد مرور عام على ثورة الياسمين، ما احتمالات إجهاض الثورة الشعبية؟ وما احتمالات «ركوب الموجة» من قبل محترفي السياسة الانتهازيين الذين يأتون في آخر لحظة ويستغلون الظروف لوضع أجندة وبرنامج عمل يكون بعيداً كل البعد عن أهداف الانتفاضة الشعبية وأهداف الذين استشهدوا في سبيل التغيير وطموحات الجماهير العريضة.

 ما فرص النجاح والاستجابة لمطالب الشباب والبطالين والمهمشين؟ ما فرص القطيعة مع الماضي وبناء تونس جديدة تتمتع بالديمقراطية وبالمؤسسات التي تخدم الشعب والوطن؟ إن فرار بن علي وتنحيه عن السلطة في تونس لا يعني بالضرورة أن أهداف الجماهير ستتحقق وأن الديمقراطية ستفرض نفسها في ربوع تونس الخضراء.

ما احتمالات النجاح في التغيير والتخلص من أذناب النظام ومن رواسب 23 سنة من حكم بن علي ومن حكم الطغيان والاستبداد وسلب الحقوق والحريات؟ وهل ستستطيع تونس أن تتخلص من رواسب نظام بن علي في الفترة المقبلة؟

من الذي سيشرف على المرحلة الانتقالية؟ هل هم ناس يتمتعون بالنزاهة والكفاءة والالتزام ولا علاقة لهم بالنظام البائد؟ هل ستعطى الفرصة للشرفاء والوطنيين المخلصين للإشراف على المرحلة الانتقالية لاختيار رئيس كفؤ ونزيه يحقق مطالب البوعزيزي وشباب تونس العاطل والفقراء والمساكين والمهمشين؟.

مر عام على ثورة البوعزيزي التي أطاحت وتخلصت من نظام دام 23 سنة، نظام تفشى فيه الفساد، خاصة في المحيط العائلي للرئيس الذي كان يمثل نظاماً داخل نظام، وسلطة داخل سلطة، جسدت الفساد والسلب والنهب والظلم والطغيان. الدرس الذي جاءنا من تونس معبر جداً.

حيث أكد للجميع أن الشارع العربي بإمكانه أن ينتفض ويتظاهر ويغير الأوضاع. تجربة تونس أكدت أن سلطة المعرفة تتفوق دائماً على سلطة الاستبداد والظلم والطغيان. وهنا يجب الإشارة إلى أن أكثر من مليون ونصف مليون تونسي مشتركون في «الفيس بوك» وأن 5 ملايين تونسي يطالعون 3 كتب في السنة. وأن الشعب التونسي أدرك جيداً كيف يجب استغلال تكنولوجية الاتصال والثورة الرقمية والشبكات الاجتماعية لتغيير أحوال البلاد والعباد.

وهذا يعني أنه وصل إلى درجة متقدمة من الوعي بفضل انتشار التعليم والمعرفة والانترنت والشبكات الاجتماعية. فالشعب التونسي أستطاع أن يتجاوز الرقابة واستبداد النظام باستخدامه المكثف لوسائل الاتصال الحديثة والإعلام الجديد لنقل همومه ومشاكله للرأي العام المحلي والدولي. استطاع الشعب التونسي أن يتجاوز الرقابة الإعلامية والحواجز على حرية التعبير وحرية الرأي من خلال الاستغلال الأمثل للانترنت والشبكات الاجتماعية.

كما حقق الشعب في تونس ما عجزت عنه المعارضة والأحزاب السياسية المختلفة والقوى المضادة، إن كانت هناك قوى مضادة، في المجتمع التونسي. فالحركة الشعبية أو «كومونة تونس» فعلت فعلتها وزحزحت الرئيس التونسي زين العابدين بن علي وأرغمته على الفرار ومغادرة البلد. ما حدث في تونس يعتبر حدثاً تاريخياً، ومنعطفاً حاسماً في التاريخ المعاصر، لعدة أسباب؛ أهمها أنه من النادر جداً في تاريخ الأنظمة العربية أن استطاعت حركات شعبية أن ترغم الحاكم على الفرار بجلده. لقد فر زين العابدين بن علي، ما يعني أن تونس مقبلة على عهد جديد. لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل فرار الرئيس بن علي يعني إقبال تونس على عهد جديد من الديمقراطية وحرية التعبير وحرية الصحافة والفصل بين السلطات...الخ، أم أن هناك من يركب الموجة ويستغل الظروف ويعتلي سدة الحكم من خلال صناديق الاقتراع؟. هل سيواصل الشباب مسيرة التغيير والمطالبة بحقوقه أم أنه سيستسلم ويترك المجال لغيره؟. أو كما يرى البعض أن الشباب قاموا بالثورة والإسلاميون جنوا ثمارها!.

مرحلة ما بعد فرار بن علي مرحلة محورية في تاريخ تونس، وهي مرحلة حساسة يجب التعامل معها بذكاء وببصيرة ومنهجية، وبحذر، إذا أرادت تونس أن تدخل عهداً جديداً مختلفاً تماماً عن العهد السابق. فبعد سنة نستطيع القول إن ثورة البوعزيزي كسبت الرهان، وها هو المرزوقي السجين السابق والمعارض اللدود لنظام بن علي يدخل قصر قرطاج رئيساً لتونس ما بعد بن علي، تونس البوعزيزي وتونس الشباب، تونس كل الفعاليات والقوى السياسية، تونس كل التونسيين. رئيس جاء عن طريق صناديق الاقتراع، وعن طريق الشفافية والنزاهة.

المنصف المرزوقي أكد حق البلاد على المواطن وحق المواطن على البلاد، كما دعا إلى التسامح والوئام، وإلى «هدنة سياسية واجتماعية» لمدة ستة شهور، بهدف الخروج بالبلاد من الوضع الصعب الذي تعيشه. نستطيع أن نبارك لتونس تخطيها المرحلة الأولى والتي تتمثل في إجراء انتخابات المجلس التأسيسي وانتخاب رئيس المجلس ورئيس الجمهورية وتشكيل الحكومة.

يبقى الآن أمام المرزوقي والجبالي الذي وعد بحكومة «تكون في خدمة الشعب»، العمل الجاد، ومواجهة تحديات كبيرة، من أهمها الوضع الأمني والوضعان الاقتصادي والاجتماعي. فمعالجة الوضع الاقتصادي والبطالة يجب أن تمر بمعالجة الوضع الأمني، لأن الأمن هو الشرط الرئيسي لحل المشاكل الاقتصادية. فتونس اليوم تمر بأزمة اجتماعية واقتصادية.

حيث يقترب معدل النمو من الصفر، بعد مرور عام على الثورة التي تركت انعكاسات وتداعيات على العديد من القطاعات الاقتصادية والتجارية والتنموية، وخاصة السياحة والاستثمار. فهناك اليوم ما يناهز المليون بطال في تونس.

كما هناك ركود اقتصادي كبير جداً بحاجة أن يعالج في أسرع وقت ممكن. ففي ظل غياب الأمن والاستقرار لا تستطيع تونس الاستفادة من الاستثمار بمختلف أنواعه سواء المحلي أو الأجنبي، والشيء نفسه ينسحب على السياحة التي تحتاج إلى الأمن والآمان والطمأنينة والاستقرار.

ومن أهم التحديات التي تنتظر القيادة الجديدة في تونس سواء تمثلت في المجلس التأسيسي أو الرئيس المرزوقي أو رئيس الحكومة حمادي جبالي، هو عدم التسرع، لأن القضاء والتخلص من رواسب نظام بن علي لا يتمان بين عشية وضحاها، كما أن تغيير نمط الإدارة والتسيير بحاجة إلى وقت. ومن جهة أخرى، يجب على القيادة الجديدة التعامل مع الحراك السياسي الجديد في تونس بكل صراحة وشفافية والتزام.

ففي تونس والكثير من دول العالم هذه الأيام كلام عن الإسلاميين وعن السلفيين وعن الخطر من سيطرة هذا التيار على مفاصل الحياة في تونس. وهنا يجب وضع حد لكل المزايدات والاتهامات التي تهدف إلى خلق الخوف والبلبلة، سواء على الصعيد المحلي أو الدولي. فالمجتمع المدني والفعاليات السياسية في تونس يجب أن تكون واعية بخطورة هذه الأفكار التي لا يجب أن تسود بعد ثورة البوعزيزي.

 

Email