الشبكات الاجتماعية والتعبئة السياسية

ت + ت - الحجم الطبيعي

لعبت البيئة الاتصالية الجديدة دورا محوريا في أحداث تونس ومصر وليبيا واليمن وما يحدث في سوريا ودول عربية أخرى. فالإعلام الجديد والانترنيت وفرا وسائل التعبئة للشباب والناشطين لتنظيم المظاهرات والاحتجاجات والمسيرات والمطالبة بالحقوق وبالتغيير. ساعدت البيئة الاتصالية الجديدة نشر رسائل المتظاهرين والناشطين والمحتجين .

كما ساعدت على سرعة انتشار وتداول وتبادل هذه الرسائل التي كانت عبارة عن نصوص وصور وفيديوهات. وهنا نلاحظ كيف استطاعت الشبكات الاجتماعية أن تحقق ما فشل في تحقيقه الإعلام التقليدي.

وكيف استطاعت أن تتجاوز الرقابة والعراقيل المختلفة التي كانت تستعملها السلطة لترويض وتكميم الوسائل التقليدية. وهذا يعني أن الشبكات الاجتماعية استطاعت أن تكون فعالة في فترة وجيزة جدا من الوقت.

ما وفرته الشبكات الاجتماعية كذلك هو تبادل المعلومات والبيانات ليس على مستوى حدود الدولة الواحدة بل تخطاه ليكون على مستوى عدة دول أو مستوى عالمي. فمن خلال الشبكات الاجتماعية كان شباب ليبيا يتفاعل مع ما يحدث في مصر وشباب تونس مع ما يحدث في اليمن وهكذا.

فكانوا يتعلمون ويستفيدون من بعضهم البعض. فالبيئة الاتصالية الجديدة غيرت العلاقة ما بين المواطن والسلطة في العالم العربي، كما ساعدت على تأسيس ثقافة جديدة للاحتجاجات الشعبية. فسابقا كانت هذه الاحتجاجات سرعان ما تتوقف وتنتهي، لكن في ظل البيئة الجديدة أصبحت مستمرة وصامدة حتى تحقق نتائجها.

كما كانت تحدد مواعيد معينة، كأيام الجمعة للتجمع والاحتجاج والوقوف عند النتائج التي تحققت والنتائج التي ما زالت لم تتحقق بعد.

وفرت البيئة الاتصالية الجديدة الوسائل اللازمة والضرورية للتواصل الاجتماعي والتغيير السياسي. فالفعل السياسي يحتاج إلى تعبئة ويحتاج إلى اتصال وإلى تفاعل بين المجموعات المنظمة سواء كانت في أحزاب أو تكتلات أو جمعيات معينة للمساهمة في تشكيل الرأي العام والتأثير فيه.

ومن ثم التأثير في صانع القرار. فالبيئة الاتصالية الجديدة وسّعت دائرة المشاركة السياسية وأعطت للجميع فرصة تبادل المعلومات والصور والبيانات والتعليق عليها. وهذا ما مكّن من فرص جديدة ومعتبرة للتواصل الاجتماعي وللتغيير السياسي. فالسياسة تحتاج إلى اتصال والاتصال يحتاج إلى وسائل وإلى سيولة المعلومات والأخبار والحوار والنقاش، أي بمعنى اخر فضاء عام يلتقي فيه الناشطون والفاعلون السياسيون.

تعتمد التعبئة عن طريق الشبكات على الإعلام الجديد لتجنيد الحركات الاجتماعية الأعمال المشتركة حيث ينظم الشعب نفسه ويعمل كمشارك فاعل في حركة التغير الاجتماعي. تساعد التكنولوجيات الجديدة للإعلام الجمهور على البحث والعثور وتقييم المعلومات وبعضهم بعض.

تعتمد التعبئة والحركات الاجتماعية اليوم على قدرات الشعب في إنشاء علاقات والبحث وتقديم نصائح وأخذ توصيات. إن البيئة الاجتماعية المعاصرة التي تتسم بتشبع كبير بالمعلومات بالإضافة إلى تكنولوجيات الاتصال والمعلومات والإعلام الجديد أصبحت تمثل «الثورة الرابعة للمعلومات» مع تداعيات مهمة جدا على التعبئة السياسية والفعل السياسي.

تتحقق التعبئة في الحركات الاجتماعية الجديدة من خلال غرس الهويات المشتركة، والقيم المتقاسمة، وروح الانتماء بين الشعب مرتبطة بشبكات اجتماعية لامركزية. تلعب الشبكات الاجتماعية والإعلام الجديد دورا محوريا في تعبئة الجماهير. فالإعلام الجديد لديه القدرة على قيادة وتشكيل إدراك الشعب وآرائه وأحاسيسه.

يشكل الإعلام وتكنولوجيات المعلومات الوسائل والموارد التي تستعمل للتعبير ونشر اهتمامات الناشطين وكذلك القيم والتمثيل الرمزي للقضايا ولتغيير الخطاب الشعبي وإدراك قضايا الحركة وخلفيتها وأبعادها.

تشكل شبكات الاتصال الفضاء العام في مجتمع الشبكات.. السياسة هي وسائل الإعلام السياسية.. وبناءً عليه فإن عملية التغيير الاجتماعي تتطلب إعادة برمجة شبكات الاتصال فيما يتعلق برموزها الثقافية وفيما يتعلق بالقيم الاجتماعية والسياسية والمصالح الضمنية التي تقدمها.

فمفهوم التعبئة يمثل مصطلح يعطي للحركة (movement) معناها الحقيقي. فالحركة بدون تعبئة لا تعني شيئا. والتعبئة هي العملية التي يحوّل الشعب من خلالها الاهتمامات الجماعية إلى أعمال وأفعال جماعية لتحقيق التغيير.

ومن أجل ترجمة اهتمام محدد إلى فعل سياسي جماعي، يجب على الأفراد ذوي المصالح المشتركة إيجاد بعضهم البعض حيث يكتشفون أنهم يتقاسمون نفس الاهتمامات والمصالح. عندئذ يتوجب عليهم تشكيل أو إعادة تشكيل إرادة مشتركة، هيكلية منظمة وهوية.

فالتعبئة في الواقع هي التي تجعل الحشود ينزلون إلى الشوارع بحماس وإرادة كبيرة للمشاركة في إحداث التغيير. فمن خلال التعبئة تحصل الحركات على الإمكانيات والموارد التي لم تكن تملكها من قبل.

المصطلحات السوسيولوجية الحالية للعملية التي تنشأ من خلالها الحركة وتبدأ في العمل، هي «التعبئة».. فهي العملية التي من خلالها تضمن الوحدة الاجتماعية بسرعة نسبية، التحكم في الموارد التي لم تتحكم فيها من قبل..

العملية التي بموجبها يجمع فاعل جماعي وينظم موارده لمتابعة تحقيق هدف مشترك.. التعبئة هي دائما عملية تحويل موارد موجودة من قبل لصالح هدف جديد. مع تطور تكنولوجيا الاتصال والمعلومات وانتشار الانترنيت والشبكات الاجتماعية عرفت تعبئة الجماهير مرحلة الافتراضية أو «التعبئة المشبكة». فالإعلام الجديد أصبح يلعب دورا محوريا واستراتيجيا في الحركات الجماهيرية والحركات الشعبية.

حيث من خلاله يتم استقطاب المجموعات ذات الخلفيات المختلفة والقضايا المتباينة ووضعها في إطار متلاحم للضغط على السلطة وصانع القرار للاستجابة لمطالبهم وللحصول على حضور إعلامي وعلنية كبيرة ومعتبرة للتأثير في الرأي العام المحلي والدولي.

أحدثت التكنولوجيات الجديدة للاتصال نوعا جديدا من السياسة تتميز في جوهرها وفي طبيعتها بتشبيكها المعقد وبانفتاحها على هويات سياسية متعددة وبقدرتها على التضحية بالاندماج السياسي من أجل المكسب السياسي البراجماتي.

 

Email