أصدرت اللجنة الوطنية للانتخابات تقريرها الخاص بالانتخابات التي جرت العام الماضي لانتخاب نصف أعضاء المجلس الوطني الإماراتي، التقرير في غاية الأهمية بالرغم من صدوره متأخراً بعد مرور أربعة أشهر من تاريخ اعتماد القائمة النهائية للفائزين في الانتخابات. وكما يذكر المثل الدارج «ان تصل متأخراً خيراً من أن لا تصل أبداً». أهمية التقرير تعتمد على ما يتضمنه من معطيات وأرقام وتحمل في طياتها موجهات لإيجاد إجابات شافية من أجل تطوير عملية المشاركة السياسية في الدولة.

ان برنامج التمكين السياسي الذي أطلقه صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظة الله، في خطابه في ديسمبر 2005 كان يتضمن رؤية مستقبلية تلبي تطلعات المواطنين واستبقت بسنوات الأحداث التي يشهدها عالمنا العربي اليوم، وباشرت الدولة في تنفيذ برنامج متدرج للمشاركة السياسية متوافق مع متطلبات مسيرة النهضة التي تشهدها دولة الإمارات العربية المتحدة.

وشهدت الإمارات منذ خطاب سموه تعديلاً في دستورها وإجراء انتخابات مرتين في عامي 2006 و2011. الانتخابات الأخيرة كانت مفاجأة للمتابعين والمهتمين في الشأن السياسي حيث شهدت نسبة إقبال ضعيفة جداً بالرغم من الحراك السياسي الكبير في المنطقة، حيث شارك 28 في المئة ممن يحق لهم التصويت في الانتخابات مقارنة بــ 74.4 في المئة عام 2006.

تقرير اللجنة تضمن الكثير من الإحصائيات المهمة ولكن سنركز هنا على دراسة أعدها مكتب خدمات أبحاث زغبي للدراسات والأبحاث بتكليف من الوزارة ونشرت ضمن التقرير، وتكشف الدراسة أسباب ضعف إقبال الناخبين في الانتخابات الأخيرة.

وتبين الدراسة أن هناك ستة أسباب لعدم المشاركة في الانتخابات وبإمكان القائمين على برنامج التمكين السياسي البدء من الآن لمعالجة هذه الأسباب ووضع خطط وبرامج لكل معضلة لضمان مشاركة أوسع في الانتخابات المقبلة في عام 2015. هذه الدراسة من الضروري ان تترجم إلى خطط عمل وبرنامج زمني للمضي قدماً في العمل الوطني والتنمية السياسية.

ويأتي في مقدمة أسباب إعراض الناخبين عن المشاركة عدم كفاية المعلومات عن العملية الانتخابية، حيث أشار 54 في المئة من عينة الدراسة لهذا السبب لعزوفهم عن التصويت.

ومن هنا يتضح أهمية التوعية بالعملية الانتخابية من خلال الحملة الإعلامية. والجدير بالذكر أن اللجنة الإعلامية المنبثقة عن اللجنة الوطنية للانتخابات قامت بمجهود مضن ووضعت خطة استراتيجية ونفذت على ثلاث مراحل رئيسية وتضمنت 5 أهداف استراتيجية وحددت الجمهور المستهدف. لكن على ضوء نتائج الدراسة حول ضعف إقبال الناخبين لابد من إعادة النظر في الحملة الإعلامية للانتخابات المقبلة التي من المتوقع ان يتضاعف خلالها أعداد الناخبين.

وكشفت الدراسة أن السبب الثاني وراء الإقبال الضعيف في الانتخابات الأخيرة هو الاستياء من نظام التصويت الإلكتروني، وأجمع 54 في المئة على هذا الرأي. ومن خلال التجربة الشخصية لنظام التصويت في الانتخابات الأخيرة كان النظام سهلاً للاستخدام، لكن لابد من مراعاة مختلف شرائح المجتمع ووضع ذلك في الاعتبار والعمل على تبسيط البرنامج أكثر في المرحلة المقبلة والتوعية بفترة كافية بكيفية عمل البرنامج للجميع.

والسبب الثالث حسب الدراسة وراء ضعف الإقبال عدم كفاية المعلومات عن المرشحين بحسب رأي 50 في المئة من العينة. ويتضح من تقرير الوزارة ان تكلفة الانتخابات بلغت 40 مليون درهم فيما انفق المرشحون 54 مليوناً.

يبدو ان هذه المبالغ لم تكن كافية بالتعريف بالعملية الانتخابية والناخبين. من المهم جداً ان يعرف الناخب قائمة المرشحين في إمارته ويمكن للجنة الوطنية للانتخابات أن تعمل نموذجاً أو قالباً لكل المرشحين يحتوي البيانات والمعلومات التي يأمل الناخب بمعرفتها وتكون متاحة للناخبين.

كذلك يمكن تخصيص أماكن عامة يحق لكل ناخب ان يلتقي فيها الناخبين، فليس كل الناخبين لديهم القدرة المادية لحجز قاعات فندقية أو فتح مجالس بيوتهم للالتقاء بالناخبين.

السبب الرابع لضعف الإقبال كان صعوبة الوصول للمراكز الانتخابية حيث عبر عن ذلك 46 في المئة من عينة الدراسة. لكن لابد من الوقوف هنا عند الاستبيان الذي أجرته اللجنة الوطنية للانتخابات ومتضمن في التقرير، حيث ذكر ان 96 في المئة من المشاركين في الاستبيان عبروا عن سهولة وسرعة الوصول إلى المركز الانتخابي، إن الفارق بين الرقمين شاسع ولا يقع ضمن هامش الخطأ المتعارف علية بزيادة أو نقصان بحدود 4 في المئة.

لابد من إعادة النظر في هذه المعلومات الواردة في التقرير أو تفسيرها من قبل المعنيين.

أما السبب الخامس الذي ورد في الدراسة فهي آلية اختيار الهيئات الانتخابية وهذه مسألة سيتم التغلب عليها ضمن المسار المتدرج لتشمل قائمة الناخبين كل أبناء الوطن في المستقبل القريب. وذكر هذا السبب 43 في المئة من عينة الدراسة.

والسبب الأخير، ذكر 28 في المئة من العينة ان عزوفهم عن التصويت يعود لنظرتهم بعدم أهمية المجلس الوطني الاتحادي، وهذه هي النسبة الأقل ضمن أسباب عدم المشاركة في الانتخابات. ويمكن التغلب على الأمر من خلال الحملات الإعلامية وتوضيح دور المجلس حالياً ومسيرته في بناء الوطن.

تقرير اللجنة يتضمن معلومات مهمة من الضروري الاستفادة منها اليوم للاستعداد لانتخابات 2015، والتعريف بالمجلس الوطني وأهمية المشاركة السياسية والعملية الانتخابية مهمة لا يمكن تأجيلها إلى قبل ستة أشهر قبل موعد الانتخابات المقبلة.

ان التقرير يتضمن أيضاً مقترحات في غاية الأهمية وهي عبارة عن عشرة مقترحات تعالج ضعف إقبال الناخبين وذكرت تحت عنوان «مصفوفة الفرص». كذلك تطرق التقرير لأهم ثلاثة تحديات وهي عدم وجود هيئة مستقلة للانتخابات وعدم تحديد آليات لتوسيع صلاحيات المجلس وتفعيل دوره في صنع القرار وعدم إعداد خطة عمل للتنمية المستدامة للوعي والأداء السياسي والمجتمعي.

من الضروري ان يكون هناك استراتيجية متكاملة تأخذ في عين هذا التقرير من أجل تنفيذ رؤية صاحب السمو رئيس الدولة الذي أكد في خطاب التمكين في سنة 2005 «أن المرحلة المقبلة من مسيرتنا وما تشهده المنطقة من تحولات وإصلاحات تتطلب تفعيلاً أكبر لدور المجلس الوطني الاتحادي وتمكينه ليكون سلطة مساندة ومرشدة وداعمة للمؤسسة التنفيذية».