التمكين والتنافسية والحكومة الإلكترونية

ت + ت - الحجم الطبيعي

أشرت في مقال سابق إلى ما حققته حكومة الإمارات الإلكترونية من قفزة كبرى في تقرير الجاهزية الإلكترونية، إذ انتقلت من المركز 49 عالمياً إلى المركز 28، مختصرة 21 درجة دفعة واحدة على سلم التنافس العالمي في هذا المجال.

ومن النتائج المذهلة حقاً في سياق التقرير أننا قفزنا من المركز 99 في خدمات الحكومة الإلكترونية حسب تقرير 2010 إلى المرتبة السابعة على مستوى العالم في تقرير 2012. أما في المشاركة الإلكترونية، فتقدمنا من المركز 86 عالمياً إلى المرتبة السادسة.

برأيي أن السر في هذا الإنجاز يتمثل في عوامل عديدة من أهمها القيادة، والبوصلة السليمة، والتفاني في العمل لدى فريق حكومة الإمارات الإلكترونية وفرق العمل في الجهات الحكومية الأخرى التي عملت معنا على مدى عامين ضمن مشروع تعزيز تنافسية الدولة في مجال الحكومة الإلكترونية.

وبودي لو اتسع المجال أكثر للحديث عن العلاقة الوثيقة بين التنافسية و التمكين. وأكتفي بالإشارة إلى قصة كان بطلها المدير التنفيذي لشركة جنرال موتورز جاك ويلش الذي استطاع خلال فترة عمله في ذلك المنصب أن يضاعف حجم الشركة 4000 مرة. فذات يوم تقدم منه شخص وسأله عن فهمه للتنافسية فأجاب: «التنافسية في جوهرها طاقة يمكن تحريرها عن طريق تمكين العاملين وجعلهم يؤمنون تمام الإيمان بأن ما يقومون به هو عمل مهم. كل ما عليك هو أن تزرع هذا الإيمان في نفوسهم، ومن ثم تبتعد عن الوقوف في طريقهم».

***

أعتبر أن قصة ويلش عن التمكين تمثل أحد الدروس المستقاة من تجربتنا على مدى العامين الأخيرين في حكومة الإمارات الإلكترونية، أما الدروس الأخرى فيمكن تلخيصها في الآتي:

أولاً، على الرغم من أهمية ما تحقق، فإن الغايات الكبرى للحكومة الإلكترونية، أي حكومة إلكترونية، لا تنحصر في حصد الجوائز وشهادات التقدير، على أهميتها، وإنما تكمن في تيسير شؤون الناس وتعزيز علاقتهم بالحكومة، وترسيخ آليات التفاعل المثمر بين الحكومة ومختلف شرائح المجتمع، وتقديم الخدمات الحكومية للجميع عبر كل القنوات المتاحة وبلا عناء أو مكابدة، مع تحقيق أعلى قدر ممكن من رضا المتعاملين، بما يؤدي إلى إضفاء الحيوية والرشاقة على حركة الاقتصاد الوطني بصورة عامة.

وبطبيعة الحال، ففي الطريق إلى هذا الهدف، سيكون لأي تكريم يأتي سواء من جهات محلية أو إقليمية أو عالمية أهميته في شحذ الهمم، وبالتالي لا يسعنا إلا أن نحمد الله عليه. لكن بوصلة حركتنا لن تتأثر به. لن ننبهر بألق الدروع والجوائز على حساب الهدف الأساس. وهذه رسالة أود إيصالها إلى إخوتي جميعاً في الجهات الحكومية، ولا سيما أولئك الذين يلامس عملهم آليات التحديث والتحول الإلكتروني بصورة أكبر من سواهم.

ثانياً، إنه مهما بلغت الكفاءات الفردية والمهارات الذاتية من علوّ، فإن الجهد الجماعي هو البطل الحقيقي لمن أرادوا تحقيق الإنجازات. ولا أجافي الحقيقة حين أقول إن ما أنجزناه في تقرير مؤشر الجاهزية الإلكترونية إنما هو ثمرة معزوفة رائعة من الانسجام والتناغم والعمل الجماعي والتعاون منقطع النظير بين فريق محدود العدد لكنه عالي الهمة ولديه الإخلاص والرغبة والعزيمة على خدمة هذا الوطن والإسهام في رفعته.

 

ثالثاً، لا بد من الإشارة إلى دور الحكومات الإلكترونية المحلية في دولة الإمارات في إثراء المحتوى الذي على أساسه حظينا بالتقدير في التقرير المشار إليه، سواء كان ذلك المحتوى معلوماتياً أو خدماتياً. فقد حقق أخوتنا في كل من حكومة أبوظبي الإلكترونية، وحكومة دبي الإلكترونية، وحكومة رأس الخيمة الإلكترونية، والبرامج المحلية الأخرى منجزات تستحق الإشادة والتقدير.

رابعاً (وهذه نقطة غاية في الأهمية): إننا ندرك تمام الإدراك أن النجاح بقدر ما يدخل السرور في النفس، فهو يضيف المزيد من الأعباء المستقبلية. أنا شخصياً لا أستطيع تخيّل أن تحقق دولة الإمارات النتيجة نفسها في مؤشر جاهزية الحكومة الإلكترونية لعام 2014. ما الفائدة من التقدم للأمام إن كنت ستعاود الوقوف في مكانك؟! إذا كان الحفاظ على المكانة المتقدمة أمراً ينطوي على تحدّ كبير، فالتحدي الأكبر منه، والذي سنعمل على مواجهته إن شاء الله، يتمثل في اجتياز النقطة التي بلغناها في مؤشر الأمم المتحدة 2012، وصولاً إلى أفق جديد، نحن جديرون به.

Email