خرجت الموضوعات التالية من جلسة عصف ذهني حول الحكم ووسائط الاتصال الاجتماعية، عقدت أخيراً في معهد نيكولاس بيرغرن في بالو ألتو بكاليفورنيا، في الولايات المتحدة.
وتضمن المشاركون كلاً من غارد كوهين من "غوغل للأفكار"، وتشارلز سونغرست من "مايكروسوفت"، وديفيد برين مؤلف كتاب "المجتمع الشفاف"، وجورج يو وزير خارجية سنغافورة سابقاً، وجويشي إيتو مدير مختبر وسائل الإعلام في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، إلى جانب بيير أوميديار مؤسس موقع "إيباي"، والعالم السياسي فرانسيس فوكوياما، وأليك روس كبير مستشاري الرقميات في وزارة الخارجية الأميركية. 1.
المرحلة المدمرة؛ التكنولوجيات التخريبية و"أزمات التقدم": تولد التكنولوجيات الانقطاعية التي "تعزز الرؤية والذاكرة والانتباه"، بدءاً من المطبعة ووصولاً إلى شبكة الإنترنت، "أزمات تقدم"، لأنها تقوض "النقابات الدفاعية" والوسطاء والمؤسسات التي كانت في وقت من الأوقات تسيطر على المعلومات والطاقة.
وفي عصرنا الحالي، يتحدى ظهور الشبكات الاجتماعية وشفافية الشبكات المشتركة، كل التسلسلات الهرمية، من احتكار وسائل الإعلام الرئيسية، إلى المعرفة المهنية التي تحميها أوراق الاعتماد، كما في حالة الأطباء، إلى الطغاة الذين تحميهم القوة. والأنظمة التي تتكيف مع الشفافية الجديدة، أو تستفيد منها، هي التي ستستطيع البقاء. أما الأنظمة التي تقاومها فستفقد الثقة في نهاية المطاف، وبالتالي الولاء، وستبوء بالفشل.
وكل ما هو متصلب، كالحكام المستبدين السابقين في مصر وتونس، يعاني من الهشاشة ويتعرض للكسر. وكل ما هو أكثر مرونة، كمهنة الطب التي حولت مواقع معلومات المرضى لصالحها، يأخذ في الازدهار. وفي مكان ما بين هذا وذاك، تسير الصين الاستبدادية في اتجاهين معاً، يتمثل أحدهما في "دولة تفرض رقابة مفرطة" وتسعى إلى الحصول على "معرفة معلوماتية كاملة" بأنشطة رعاياها، فيما يتمثل الآخر في دولة تخضع هي نفسها لمراقبة سكانها من المدونين.
2. المرحلة الإبداعية؛ بناء مؤسسات جديدة: إذا كانت الشبكات الاجتماعية قادرة على تقويض الثقة باستخدام التغريدات، وإضعاف السلطة وهدم المؤسسات، فما الدور الذي قد تلعبه في إعادة الإعمار؟
بعد مرحلة الطرد المركزي التي تنطوي على الهدم والتفريق، يتمثل الانعطاف التالي في مرحلة الجذب التي تجمع الشتات وتبني مؤسسات جديدة، وإما أن تقوم على سلطات جديدة أو على تصورات جديدة للسلطة، وإما أن يتم تثبيت نخب جديدة وإعادة تأسيس المؤسسات الهرمية مع مجموعة مختلفة من الحكام والخبراء الأقوياء (الهرم)، أو أن يتم في العصور الحديثة (عصور ما بعد التنوير) إنشاء هيكل ألماسي الشكل، حيث لا يكون معظم الناس أغنياء ولا فقراء، وتحدث الصراعات والمنافسات، التي تحولها القواعد إلى طقوس، في "ساحات" مثل المحاكم والأسواق والعلم والديمقراطية.
وخلافاً لهيكل السلطة الممتد من أعلى إلى أسفل الذي يميز الهرم، حيث يتم استثمار الشرعية في حكم أصحاب الجدارة والخبرة، فإن شرعية النموذج الألماسي تنشأ من "القابلية المتبادلة للمساءلة" بين المشاركين فيه. وبما أن الشبكات الاجتماعية والمعرفة المشتركة تتحدى باستمرار النخب والجدارة المعتمدة، فمن المرجح أن نوعاً جديداً من "الجدارة خفيفة الحركة"، التي ترتفع قوتها المؤقتة وتنخفض على أساس السمعة والأداء، سيحل محل النخب المتجذرة في المستقبل.
ويحتاج الأمر إلى مؤسسة، إذ أن تصدير السلطة إلى الجماهير هو أمر جيد بالنسبة لبعض الأمور، دوناً عن غيرها. فهو أمر جيد بالنسبة للابتكار والاحتجاج، ولكنه سيئ بالنسبة للحكم.
وإنه لوهم تحرري، أن نعتقد أن الشبكات الموزعة من الهواة أو "الخبراء غير المعروفين"، تستطيع أن تدير ذاتياً مجتمعاً يقوم على قرارات مصلحة ذاتية عقلانية. فالتعقل بالتجزئة لا يفضي بالضرورة، أو حتى عادة، إلى التعقل بالجملة. وكما في كثير من الأحيان، فإن التعقل بالتجزئة يفضي إلى الجنون بالجملة.
3. الديمقراطية والتشاور و"الحشود الذكية": تنشأ أزمة الحكم اليوم في الأنظمة الديمقراطية، من "نقص التشاور". ويعد التشاور ضرورياً لتمكن الديمقراطية من إنتاج قرارات ذكية بشكل جماعي، بدلًا من السياسات الحمقاء. ومن دون آليات للتشاور في عملية صنع القرارات، التي تزن العواقب وتوازن المقايضات، فإن الشبكات الاجتماعية التي لا تساهم إلا في تعزيز المشاركة وتبادل المعلومات دون وساطة، لا تنمي سوى "الحشود الحمقاء".
ويعد تحول "الحشود الحمقاء" إلى "حشود ذكية"، من أبرز التحديات التي تواجه قوة المشاركة الهائلة التي تتمتع بها وسائط الاتصال الاجتماعية. وفي شكلها الحالي، تصلح وسائط الاتصال الاجتماعية، مثل "تويتر" و"فيسبوك"، لحشد الأشخاص المستعدين للتحرك، ولكنها لا تصلح لعمليات التفاوض وبناء توافق الآراء، اللازمة لصنع القرارات الذكية. ومن الممكن أن يشكل إدخال الاقتراع التشاوري إلى الفضاء الإلكتروني، وسيلة للمساعدة في تشكيل الحشود الذكية من الحشود الغبية.
وليست الشفافية ولا التعتيم في حد ذاتهما فضيلتين مستقلتين، إذ يمكن للشفافية الزائدة أن تدمر متانة المؤسسات التشاورية. وهذه هي "مفارقة الانفتاح".
وإذا كان الاقتراع التشاوري يتطلب "فضاءً غير مسيس"، فإن المؤسسات التشاورية تتطلب قدراً معيناً من التعتيم، لحماية قراراتها من الضغط الشعبي و"طغيان الأغلبية". وهذا هو السبب في أن المحكمة العليا ومجلس الاحتياطي الفيدرالي، ليسا مؤسستين "شفافتين". فالتعتيم يوفر متنفساً للتشاور العقلاني الذي لا يخضع للرأي السائد.
4. وسائط الاتصال المحايدة في مقابل "تنقيد" الاهتمام: تشكل المعلومات المحايدة والموضوعية وعالية الجودة، أساساً للتشاور المتين. ومع ذلك، فإننا هنا نواجه التسييس والاستقطاب نفسيهما اللذين نواجههما في الحياة السياسية.
وتماماً كما تعمل الانتخابات التمهيدية على قيادة السياسة في المجتمعات الديمقراطية إلى مواقف استقطابية، فإن حتمية "إضفاء الطابع النقدي، أي المالي، على الاهتمام" من أجل أسواق متخصصة، تلوث الجودة الموضوعية للمعلومات، التي يتم تعديلها لغرض البيع، إذ لا يتحدث المدونون إلا إلى أفراد جماعتهم، ولا يجد الناس سوى المعلومات التي يبحثون عنها. وتصبح المعلومات لا تقوم على التواصل.
وتعتبر رعاية المعلومات، أي فرز الجودة الفكرية والمطالبات بالحقيقة أو التواصل عبر الحدود، أقرب إلى الحكم من خلال التشاور. وربما سيتم تسعير "قيمة الرعاية" من قبل السوق يوماً ما، ولكن في الوقت الحالي، لا بد من توفير المعلومات الموضوعية والمحايدة وعالية الجودة على أنها "سلعة عامة"، وبالتالي خاضعة لمشكلة "المستخدمين الأحرار".
5. ما دون الدولة القومية: تركز شق كبير من النقاش، على العلاقة بين وسائط الاتصال الاجتماعية وبين الدولة القومية. ومع ذلك، فقد عرفنا، وقد قيل لنا، منذ فترة طويلة، إن الدولة القومية صغيرة جداً بالنسبة للمشكلات العالمية، وكبيرة جداً بالنسبة للمشكلات المحلية.
وفي عالم متشابك من الطاقة الموزعة، سيكون من المنطقي بدرجة أكبر أن نبحث عن التغيير من أسفل إلى أعلى، أي من مستوى المدينة إلى المستوى دون الوطني، بدلاً من أن نبدأ البحث من الدولة القومية أو من مستوى مؤتمرات القمة العالمية.