إسرائيل ولعبة الانتخابات الأميركية

«أمن إسرائيل مقدس.. إنه ليس قابلاً للتفاوض»، هذه الكلمات الكاسحة لم تأت من بنيامين نتانياهو أو أي شخصية أخرى من غلاة اليمين الإسرائيلي. إنها كلمات صادرة عن باراك أوباما، رئيس الولايات المتحدة الأميركية.

نحن الآن نشهد المرحلة الأولى من موسم الانتخابات الرئاسية الأميركية، مرحلة الصراع الدعائي بين الحزبين «الديمقراطي» و«الجمهوري» لاختيار مرشح من كل منهما، لتبدأ بعد ذلك مرحلة السباق الانتخابي الرئاسي بين المرشحين الاثنين.

السباق يبدأ من الوهلة الأولى محموماً، ومع مرور الشهور حتى نوفمبر - موعد التصويت الجماهيري - تتصاعد الحمى. لكن الصراع لا تحسمه بصورة قاطعة سوى قضية واحدة: موقف الولايات المتحدة تجاه إسرائيل، مهما تعددت وتشعبت القضايا القومية الأميركية، كأزمة الاقتصاد الوطني.

هنا يتعرض كل من المرشحين الاثنين إلى امتحان، يتمثل في مثول المرشح أمام حشد عظيم يتكون من نحو 30 ألف شخص من اليهود الأميركيين، ليدخل في مزايدة مع المرشح المنافس حول أيهما يتفوق في الولاء لإسرائيل. «إيباك» هي الهيئة التي يمثل أمامها كلا المرشحين، وهو اسم مختصر ترجمته «اللجنة الأميركية الإسرائيلية للشؤون العامة».

قبل بضعة أسابيع، مَثُلَ أمام الحشد اليهودي باراك أوباما، وسيعقبه منافسه. وفي خطابه المطول الذي ألقاه أمام هذه الألوف المؤلفة من اليهود الأميركيين، طرح أوباما نفسه ضمنياً كزعيم إسرائيلي، أو مثل شخصية أميركية تجردت تماماً من هويتها الوطنية.

باراك أوباما ليس بالطبع، الزعيم الأميركي الأوحد الذي يلقي هالة تقديس على الدولة الإسرائيلية. ذلك كان وسوف يبقى دأب القادة الأميركيين، بما في ذلك الرؤساء المتعاقبون. وكأنما أراد أوباما أن يذكّر العالم بذلك، فقد استشهد في هذا الصدد بقول من الرئيس الأسبق هاري ترومان. قال ترومان: «كنت أؤمن بإسرائيل قبل أن تنشأ. أعتقد أنه سيكون لها مستقبل حافل، ليس فقط بكونها مجرد دولة أخرى ذات سيادة، بل لأنها تجسيد للمثل الأعلى لحضارتنا».

ومن المزايدة الضمنية، انتقل أوباما إلى الملف الصريح، معيداً إلى أسماع الجمهور اليهودي، كيف أن رئاسته تفوقت على كل رئاسة سابقة في «التزام إدارتي بأمن إسرائيل التزاماً غير مسبوق». ومضى يقول إن قوة التعاون الأميركي مع إسرائيل، عسكرياً واستخباراتياً، لم يعرف لها مثيل في الإدارات السابقة. وعلى سبيل التوضيح، قال إنه على الرغم من العجز الضخم لميزانية الولايات المتحدة «كانت مساعداتنا الأمنية لإسرائيل تزداد كل عام». وعلى نحو درامي، أعلن للعالم «إننا سنفعل كل ما في وسعنا لتكون إسرائيل دولة متفوقة».

هذا ما كان من أمر الدعم الأمني، فماذا عن الدعم الدبلوماسي والسياسي؟ يقول أوباما على سبيل السرد الافتخاري: عندما تعرض مشروعات قرارات ضد إسرائيل في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، فإننا نعارضها. وعندما خشي دبلوماسيون إسرائيليون على حياتهم في القاهرة، تدخلنا لإنقاذهم. وعندما تبذل جهود لمقاطعة إسرائيل، فإننا نقف ضدها. وعندما يبذل جهد لنزع الشرعية عن إسرائيل، فإن إدارتي تعارضه.

وعلى ضوء هذا السرد، طلب أوباما المكافأة المناسبة، مذكراً الحضور بأنه لم يسبق لإدارة أميركية أن دعمت إسرائيل بوضوح على صعيد الأمم المتحدة، بمثل ما فعلت إدارته.

وربما تراءى للرئيس أوباما أنه بالرغم من هذا السرد الواضح، لا يزال من الضروري له تقديم المزيد من أوراق الاعتماد إلى الجمع اليهودي المنعقد تحت راية «إيباك»، ليضمن دعماً يهودياً حاسماً. ففي الجزء الأخير من خطابه، قال أوباما: ما أكثر الخطب التي تلقى عن الصداقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل، لكن أذكر بالمثل السائد الذي يقول: «يحكم الإنسان بأفعاله لا بكلماته». وللمزيد من الشرح قال: إذا كنتم تريدون أن تعرفوا أين موقع قلبي، فانظروا إلى ما فعلته من أجل تأييد إسرائيل.

مرحلة الاقتراع في السباق الانتخابي الرئاسي تحل بعد سبعة شهور، وسواء جاء الفوز لصالح المرشح «الديمقراطي» أو المرشح «الجمهوري»، فإنه سيكون فوزاً زائفاً. فالفائز الحقيقي في كل الأحوال هو إسرائيل.

لهذا نعرف لماذا تبقى الغالبية العظمى من الناخبين الأميركيين داخل منازلهم خلال أيام الاقتراع، فهم يدركون أن العملية الانتخابية تحصيل حاصل، ليس إلا.

 

الأكثر مشاركة