النضال ضد الاحتلال سبيل المصالحة والوحدة

ت + ت - الحجم الطبيعي

تؤكد التجربة النضالية الفلسطينية الطويلة مع الاحتلال أن ثمة علاقة عكسية بين طبيعة العلاقات الداخلية في الإطار الفلسطيني، وطبيعة العلاقة مع الاحتلال. في مراحل الاشتباك مع الاحتلال، على أي من الملفات أو القضايا ذات الأبعاد الوطنية، ينعكس ذلك على الأوضاع الداخلية الفلسطينية باتجاه تخفيف الصراعات والتعارضات، وتتصعد في مواجهة الاحتلال والعكس صحيح بصفة عامة، حيث أن تراجع حالة الاشتباك والتوتر مع الاحتلال، توفر مناخاً لتصعيد التعارضات والصراعات الداخلية.

في ماضي الزمان ثمة أمثلة وتجارب كثيرة تؤكد هذا الاستنتاج، فبعد إعادة انتشار الوجود الإسرائيلي، استيطاناً ووجوداً عسكرياً وإدارياً في قطاع غزة بناء لقرار الفصل الذي نفذه شارون عام 2005، سادت الفوضى الأمنية على نحو غير مسبوق، ودخلت الفصائل في مرحلة من الصراع، الذي اتخذ طابعاً دموياً في بعض الأحيان، انتهت إلى ما انتهت إليه في يونيو 2007، حيث وقع انقلاب حماس على السلطة، والذي أدى إلى الانقسام الفلسطيني الخطير الذي تعاني منه الساحة الفلسطينية منذ ذلك الوقت.

وخلال مرحلة الحرب الإسرائيلية المجرمة على قطاع غزة نهاية العام 2008، توحد الفلسطينيون ميدانياً وسياسياً في مواجهة تلك الحرب، رغم استمرار الانقسام، وأيضاً بالرغم من أن المشهد في ذلك الحين لم يخل من اتهامات وجهتها حماس للسلطة، بالتواطؤ مع الهجمة الإسرائيلية، لكن مثل تلك الاتهامات لم تمنع منظمة التحرير الفلسطينية من استصدار قرار في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، بإرسال لجنة تقصي حقائق للكشف عن الجرائم التي ارتكبتها إسرائيل والتي عرفت باسم لجنة غولدستون.

وتشهد الساحة الفلسطينية حالة من التوحد في ميدان النشاط التضامني لمساندة الحركة الأسيرة، التي دخلت مرحلة من التحدي مع الاحتلال، مستخدمة الأمعاء الخاوية.

إذا جاز لنا أن نربط بين هذه المعادلة، وبين ملف المصالحة المعطل رغم التوقيع على الوثيقة المصرية منذ أكثر من عام وبضعة أشهر، ورغم التوقيع على ما يعرف بإعلان الدوحة قبل نحو أربعة أشهر، بعد خيبات الأمل المتتالية بشأن إمكانية تحقيق المصالحة وبغض النظر عن الادعاءات لتبرير الفشل، بإحالة الأسباب إلى العوامل الخارجية المؤثرة على هذا الطرف أو ذاك، إذا جاز لنا أن نربط بين هذه وتلك فإننا نستنتج أن تراجع وتأثر الاشتباك مع الاحتلال، تشكل سبباً رئيسياً في خلق بيئة تفسد أجواء المصالحة.

على أرض الواقع، رغم كثرة الخطابات، والشعارات، والتصريحات التي تؤكد الالتزام ببرنامج المقاومة باعتباره السبيل الوحيد لدحر الاحتلال وتحرير الأرض، رغم كل ذلك فإن الجبهة على الحدود بين قطاع غزة وإسرائيل هادئة، ويحرص الجميع على استمرار هدوئها لتجنب إعطاء إسرائيل ذرائع لشن عدوان تهدد بارتكابه طيلة الوقت.

لا قتال ولا مقاومة ولا اشتباك على الحدود بين القطاع وإسرائيل، ولا عمليات مقاومة عسكرية في الضفة، في ظل هبوط ومحدودية وتأثر المقاومة الشعبية، إذا لابد في مثل هذا المناخ أن تطل الفتنة برأسها وأن ترتفع حدة التناقضات الداخلية، التي تأخذ طابع تبادل الاتهامات، والتحريض على الآخر، وانتهاك حقوق وحريات الناس والتي طالت على نحو مبالغ فيه، قطاع الصحافة والصحفيين.

القراءة السريعة والعامة للمشهد الفلسطيني الذي يتصل بالمصالحة، يشير إلى أن الحوار قد توقف والمصالحة تتعطل عند رؤية كل طرف للقضايا التي تحظى بأولوية التنفيذ، بمعنى تشكيل الحكومة ثم تفعيل لجنة الانتخابات ولجنة الحريات، أم العكس.

وأن مصر المنشغلة بأوضاعها الداخلية لم تعد قادرة على أن تفعل أكثر مما فعلت، وأن الفصائل الأخرى عدا فتح وحماس قد استقر دورها عند حدود العجز وربما اليأس، فيما لا تجد الجماهير من يقودها للاحتجاج على هذه الأوضاع المزرية.

تقتضي المسؤولية الوطنية لدى من يملكون القدرة ولو المحدودة على قيادة الجماهير، ومن المتضررين من استمرار الانقسام، أن من يتقدموا بمبادرات وطنية كفاحية، في الميدان، لتفعيل عناصر وعوامل الاشتباك مع الاحتلال، هو أمر لا يحتاج إلى ذرائع ومبررات، لأن الاحتلال لا يوفر فرصة أو طريقة، إلا ويستخدمها لنهب الأرض والحقوق الفلسطينية.

لسنا نقصر بالضبط في رسم الاشتباك وفق المفهوم العنفي ضد الاحتلال، خصوصاً وطالما أن كافة القوى بما في ذلك على جانبي الانقسام، قد اتفقت على أولوية المقاومة الشعبية والمقاومة السياسية بمفهومها الواسع، هذا يعني أن الأطراف الفلسطينية كافة وفي مقدمتها منظمة التحرير الفلسطينية أن تستنفر كل أدواتها، لتفعيل دور المؤسسات الدولية، والمجتمع الدولي إزاء العديد من الملفات التي ترتكب بشأنها إسرائيل جرائم حرب، أو إجرام ضد الإنسانية، فضلاً عن الانتهاك المستمر لقرارات الشرعية الدولية.

القضية الفلسطينية طافحة بمثل هذه الملفات من ملف الاستيطان إلى ملف الدولة، والجدار، والقدس، والأسرى وحقوق الإنسان... إلخ، هذا بالإضافة إلى تفعيل وتوسيع إطار المقاومة الشعبية على الأرض، على غرار لجان مقاومة الجدار، والنشاطات التي تتصل بدعم حقوق الأسرى في الحرية.

إذا هذه هي المبادرة لتصحيح الأوضاع الفلسطينية الشاذة والخطيرة، فالفلسطينيون يتوحدون في ميدان الصراع مع الاحتلال، وتتصاعد تناقضاتهم في أجواء الارتخاء والهدوء، وتشتت وضعف المقاومة.

تفعيل مثل هذه الملفات، من شأنه أن يستنفر كل طاقات المجتمع الفلسطيني في الداخل والخارج، ابتداءً من السلطة والمنظمة والفصائل، ومنظمات المجتمع المدني، والحركة الأسيرة، وامتداداتها الاجتماعية، كما أن ذلك يؤدي إلى نفض الغبار عن النقابات والاتحادات الشعبية، ومكاتب التمثيل الفلسطيني والسفارات، وأعداد كبيرة من المؤسسات العربية، ومنظمات التضامن العربي والإسلامية والدولي مع القضية الفلسطينية.

 

Email