قراءة في الانتخابات البرلمانية الجزائرية

ت + ت - الحجم الطبيعي

عاشت الجزائر الأسبوع الماضي، حدثا سياسيا كبيرا تمثل في انتخاب خامس برلمان في التاريخ السياسي للبلاد. وقد اكتست هذه الانتخابات طابعا خاصا، حيث إن السلطة كانت تعتبرها وسيلة لترسيخ الشرعية ولفتح عهد جديد مع التغيير والانفتاح على الإصلاح والاستجابة لمطالب الفئات العريضة من الشعب، وكذلك لمواجهة التحديات الإقليمية والدولية.

بالنسبة للمعارضة كان هناك تحدٍ كبير، لإثبات نفسها وكسر احتكار أحزاب السلطة للساحة السياسية الجزائرية. والجديد هذه المرة هو ظهور تكتل ثلاثة أحزاب سياسية إسلامية، كان الجميع يرى قدرتها على قلب موازين القوى في المشهد السياسي الجزائري، وتنبأ كثيرون بأن الإسلاميين سيكتسحون البرلمان مثل ما حدث في الجارتين تونس والمغرب.

نتائج انتخابات 10 مايو 2012 فندت كل التكهنات، وأكدت أن المعارضة في الجزائر ما زالت ضعيفة وغير قادرة على كسر الاحتكار والتغلب على أحزاب السلطة. فالرابح الأول من الانتخابات هو حزب جبهة التحرير الوطني (220 مقعدا)، الحزب الواحد والوحيد قبل التعددية الحزبية، وحزب الثورة والشرعية الثورية.

من جهة أخرى، أثار موضوع نسبة المشاركة في الانتخابات جدلا كبيرا حول العزوف عن المشاركة. فمنهم من رأى أن نسبة المشاركة معقولة وهي في مستوى المشاركات في دول أخرى، ومنهم من رأى أن أكثر من نصف الجزائريين غير مبال وغير مهتم بالانتخابات، لأنها شكلية ومجرد عملية تكتيكية تسمح للنظام بالتباهي بأنه ديمقراطي و"شرعنة" وجوده للاستمرار في الحكم.

وهناك من يرى أن نسبة المشاركة لم تتعد الـ25%، لكن السلطات ضخمتها وجعلتها تصل إلى 43%. ومن مفاجآت الانتخابات، الفشل الكبير للتكتل الإسلامي في الحصول على مقاعد معتبرة. فقادة التحالف من حزب حمس والنهضة والإصلاح، كانوا يراهنون على اجتياح البرلمان، وبعض الملاحظين كذلك كانوا يرون أن الإسلاميين سيدشنون الربيع العربي في الجزائر من خلال سيطرتهم على البرلمان.

ما حدث في حقيقة الأمر، هو أن الشعب الجزائري، على عكس تونس والمغرب، جرب الأحزاب الإسلامية في أرض الواقع، وتعامل معها خلال ما يقارب ثلاثة عقود ولم يجن الكثير من ورائها، ولاحظ عقمها وعدم فعاليتها، وحتى ضعف أدائها ميدانيا. والدليل على ذلك هو المشاركة في التحالف الرئاسي من قبل حزب حمس (حزب جبهة التحرير الوطني، حزب التجمع الوطني الديمقراطي، وحزب حمس).

والتي لم تحقق أية فوائد تذكر للإسلاميين. فحركة مجتمع السلم لم تعرف منذ دخولها المعترك السياسي في الجزائر، كيف تجد لها مكانا مرموقا في الجهاز السياسي الجزائري يوازي مكانتها في قلوب الجزائريين. أما بالنسبة للإسلاميين فيبررون فشلهم، بأن الانتخابات كانت مزورة وأن السلطة كانت دائما تضايق الأحزاب الإسلامية وتعمل على عرقلة عملها ومشاريعها.

وقد أظهرت نتائج الانتخابات الأخيرة حصول 145 امرأة على مقاعد في البرلمان، ومن يقرأ هذا الرقم يظن أن المرأة في الجزائر لها حضور سياسي قوي، ولها نفوذ وسلطة في الفعل السياسي. صحيح أن الجزائر تعتز بوجود ناشطات ومناضلات، وهناك من ترأس حزبا سياسيا ومن رشحت نفسها للانتخابات الرئاسية، لكن كل هذا لا يفسر وجود 145 نائبة في البرلمان من أصل 462.

فوصول المرأة للبرلمان لم يأت عن طريق النشاط السياسي، وإنما بقرار رئاسي أرغم الأحزاب السياسية والمستقلين وكل من يتقدم للانتخابات، على أن تمثل المرأة ما بين 30 إلى 40% من مرشحيه. وما يجب الانتباه إليه في هذا السياق، هو أن البرلمان السابق 2007-2012 لم يسن ولم يصدر قانونا واحدا خلال عهدته، وجاءت معظم القوانين التي صادق عليها من قبل الحكومة. وما دفع الشعب الجزائري للعزوف عن الانتخابات، هو وجود برلمان لا يسن قوانين، بل يبصم ويصادق على ما يُقدم له.

نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة في الجزائر، جاءت مخّيبة لآمال الجزائريين الذين كانوا يتطلعون للتغيير، خاصة بعد ما حدث من ربيع عربي في عديد الدول العربية. فبكل بساطة استنسخ النظام الجزائري نفسه، وسيطر حزب جبهة التحرير الوطني؛ الحزب الواحد وحزب الثورة وحزب التعددية وحزب التغيير، حسب منطق الانتخابات الأخيرة.

ما يعني أن كل ما عاشته الجزائر خلال العشرية السوداء وبعد ثلاثة عقود من التعددية الحزبية، لم يجعل الجزائريين يتمتعوا بمعارضة قوية وبأحزاب فاعلة تمثل القوى المضادة في المجتمع، التي من شأنها مراقبة الحكومة ومواجهة الفساد، والحث على تلبية مطالب الفئات العريضة من الشعب الجزائري، التي ما فتئت تزداد يوما بعد يوم، ومن أهمها العمل والسكن وتوفير العيش الكريم للجميع.

وتكمن أهمية نتائج انتخابات 10 مايو 2012، في أن البرلمان القادم مكلف بتعديل الدستور والإشراف على التغيير على مختلف الأصعدة والمجالات. والسؤال الذي يطرحه كل جزائري؛ هل بإمكان الآليات القديمة للتشريع والحكم أن تغيّر وتضع آليات جديدة للخروج بالآلة السياسية الجزائرية من الركود واجترار الماضي، إلى منظومة جديدة تحقق التغيير وتواكب التطورات التي تشهدها المنطقة والعالم؟

رغم ثلاثة عقود من النشاط السياسي، ما زالت أحزاب المعارضة في الجزائر ضعيفة، وغير قادرة على تقديم البديل وكسر الاحتكار والروتين والبيروقراطية، التي جعلت الجزائر التي تنعم باحتياطي من العملة الصعبة يتجاوز 200 مليار دولار، تهاني في الوقت نفسه من نسبة بطالة تفوق الـ20%.

ومن أزمات حادة في السكن وغلاء المعيشة. فالآلة السياسية الجزائرية ما زالت عاجزة عن إفراز آليات لوضع قوانين وتشريعات وإجراءات تنظيمية، تكسر آليات الماضي وسياساته التي أثبتت فشلها. فمعظم القطاعات الاقتصادية الجزائرية اليوم، سواء في مجال الزراعة أو السياحة أو الصناعة بأنواعها المختلفة، ما زال يعاني من سوء الإدارة والتسيير ومن البيروقراطية. ومن جهة أخرى، نلاحظ أن الاستثمار الأجنبي في الجزائر منعدم أو يكاد ينعدم، بسبب البيروقراطية والبيئة الطاردة لكل من لديه نية للاستثمار في الجزائر.

باختصار؛ يمكن القول إن الجزائر فوّتت فرصة التغيير وفتح صفحة جديدة لمحاسبة الذات والانطلاق في مرحلة جديدة.

 

Email