حمى الله مصر من بعض أبنائها

كان من الطبيعي أن تنتهي المرحلة الأولى من الانتخابات المصرية لاختيار رئيس مصر، بما انتهت إليه، حيث يتنافس محمد مرسي مرشح الإخوان المسلمين، والفريق أحمد شفيق الذي يحسب على نظام مبارك. فلقد أظهرت الانتخابات التي جرت لمجلس الشعب والشورى صعود نجم الإخوان المسلمين، الذين اكتسحوا مع السلفيين أغلبية مقاعد المجلسين، كما أظهرت ضعف ومحدودية تأثير الأحزاب والحركات الأخرى اليسارية، والقومية والليبرالية.

 لم يكن ممكناً في حمأة الحماس «الثوري»، أن تعبر كتلة النظام السياسي الرسمي عن نفسها بقائمة منظمة من المرشحين للمجلسين الشعب والشورى، فبدا وكأن الإخوان المسلمين يهيمنون على المشهد السياسي، غير أن الانتخابات الرئاسية، أظهرت وجود كتلة أخرى كبيرة تنافس كتلة الإخوان المسلمين، وهي كتلة تتجاوز المجلس العسكري، إلى الجهاز المدني للدولة المصرية، والمؤيدين للنظام والمتنفعين منه، بالإضافة إلى الأجهزة الأمنية والشرطية والجيش، وبقايا الحزب الوطني المنحل.

على أن الانتخابات الرئاسية في مرحلتها الأولى، حملت مفاجأة كبيرة لكل القوى، والكتل والتيارات، حين حصل المرشح للرئاسة حمدين صباحي، القومي الناصري على أكثر من عشرين في المئة، مما يعني وجود ثلاث كتل سياسية اجتماعية كبيرة تمتلك بتفاوت التأثير في الشارع المصري، كما في السياسة المصرية، ومستقبل مصر. الاختراق الكبير الذي حققه صباحي، الذي ينتسب أيضاً إلى قوى الثورة، يفتح آفاقاً جديدة واعدة سواء خلال مرحلة الرئيس المقبل الذي عليه أن ينهض بأعباء ثقيلة جداً، أو خلال الانتخابات الرئاسية المقبلة بعد أربع سنوات، حيث سيكون لصباحي فرصة أفضل وأوفر حظاً في الفوز بكرسي الرئاسة المصرية.

على أن المشهد المصري الذي تلى المرحلة الأولى من الانتخابات الرئاسية، ينذر بكثير من الخطر، على مسيرة الثورة وعلى مستقبل الأوضاع السياسية والاقتصادية والأمنية والاجتماعية. فبعد فشل الحملة القوية التي شنتها حركة الإخوان المسلمين لمنع أحمد شفيق من الترشح، بدعوى أنه ينتمي إلى فلول النظام السابق، عادت الحركة لتشن حملة أشد قسوة على شفيق، متجاوزة بالنبش والهبش بكل زوايا حياته الشخصية والمهنية.

ومن الملفت للنظر، والمخيف، أن الإخوان المسلمين أخذوا يحذرون من أن الوطن والثورة في خطر، ولم يوافقوا عن إطلاق التهديدات بالعودة إلى ميدان التحرير في حال فوز شفيق بمقعد الرئاسة. هذه التهديدات والتحذيرات، من شأنها أن تمس بمصداقية وشعبية حركة الإخوان المسلمين، أو أن المواطن سيتساءل بشأن قناعة والتزام الحركة بالديمقراطية وبالاحتكام إلى صناديق الاقتراع، وسيلاحظ المواطن المصري أن هؤلاء هللوا حين فازوا في انتخابات مجلسي الشعب والشورى، ورفضوا نتائج الانتخابات حين فشلوا في الرئاسة، الأمر الذي سيهبط بشعبيتهم في الشارع بوتائر سريعة، فوق تراجع شعبيتهم بعد الانتخابات البرلمانية. والحقيقة أن الإخوان المسلمين لا يحق لهم الادعاء بأنهم صناع الثورة والقيمين عليها، فليسوا هم من بادر إلى تفجير الثورة بل التحقوا بها متأخرين، ورغم وزنهم الشعبي الملحوظ، إلا أنهم لم يكونوا إلا جزءًا من مجموع الأحزاب والجماعات التي تابعت الثورة فصلاً بعد آخر.

وبصراحة فإن مصر الدولة المركزية الكبيرة ذات الحضارة العريقة لا تحتمل هيمنة واحتكار حزب أو تيار واحد للتحكم في مصيرها، بل إن الثورة أصلاً استهدفت الإطاحة بسلطة الحزب الواحد والرئيس «المخلد»، وبمنطق الوراثة في الحكم، فكيف بها وهي تعود إلى سلطة حزب آخر، قد ينتج استبداداً من نوع آخر؟

إن هذا الموقف لا يعني أن صاحب المقال يتبنى ترشيح أحمد شفيق، ولو أنه كان مصرياً لاشتغل بالباع والذراع لصالح المرشح حمدين صباحي، لكن الأمر أولاً وأخيراً يعود إلى صناديق الاقتراع والاختيار الشعبي. وهنا نسجل ملاحظة أخرى تتصل بإطلاق «تهمة» أو «صفة» الفلول على أحمد شفيق، إذ على من يطلقون هذه التهمة أو الوصف أن يحترموا مشاعر واختيار ملايين المصريين الذين يصوتون لشفيق، فهل كل هؤلاء فلول أيضاً، أم معتوهين؟

يدرك الإخوان المسلمون، أن المرحلة الثانية من السباق، قد لا تنتهي إلى فوز مرشحهم محمد مرسي، ذلك أنهم حشدوا خلال المرحلة الأولى كل ما لديهم، في هذا الإطار فإن حركة الإخوان في حال نجاحها بإقناع المرشحين الإسلاميين الآخرين، عبد المنعم أبو الفتوح، وسليم العوا، فإن مجموع ما يحصل عليه مرشحها لا يزيد عن 26% ممن يحق لهم التصويت.

شفيق بغض النظر عما يمكن تسجيله من ملاحظات عليه، فإنه لن يكون تكراراً لصورة الرئيس المخلوع مبارك، فالمسألة ليست شخصية، وإنما تتصل بالدستور والقانون، وطبيعة النظام الذي يتم اعتماده لتداول السلطة السياسية. في ضوء هذه المعطيات والمخاوف، فإن مستقبل مصر بعد انتخاب الرئيس، سيكون محفوفاً بالمخاطر، من اندلاع صراع قوي في الشارع.

 

الأكثر مشاركة