اليمن.. نحو حكومة أكثر فعالية

ت + ت - الحجم الطبيعي

تسعى منظمات دولية عدة لإدراج اليمن في قائمة الدول الفاشلة خلال عام 2011، وهو العام الذي ثار فيه اليمنيون على النظام السابق، ونجحوا في إسقاطه بصورة سلمية وانتخاب رئيس جديد للبلاد وتعيين حكومة شراكة وطنية، وكل ذلك من أجل إنقاذ اليمن من الانهيار التام والفشل الكامل الذي قاده النظام السابق إليه عبر سلسلة من السياسات الرعناء..

وحتى لا ننسى فإن التهديدات بإدراج اليمن ضمن قائمة الدول الفاشلة بدأت منذ عام 2007، إلا أن الحكومة حينها سعت بكل الجهود لتدارك ذلك عبر العديد من الالتزامات التي لم تنجح في الوفاء بها. فقد رفعت وزارة التخطيط والتعاون الدولي منذ ذلك الحين، أكثر من تقرير سري لرئاسة الدولة حول مخاطر إدراج اليمن ضمن الدول الفاشلة، بل إن هذه التقارير الوطنية كانت تعتبر أن اليمن قد دخل فعلا في مرحلة الفشل، لكنها لم تلق أذنا صاغية وظلت إدارة شؤون البلاد تمضي بنفس القدر من اللامبالاة وغياب الرؤى، حتى كانت الصدمة عندما دعا رئيس الوزراء البريطاني السابق غوردن براون بداية 2010، لعقد مؤتمر لأصدقاء اليمن لإنقاذ هذا البلد من الفشل، عقب محاولة الطالب النيجيري عمر الفاروق تفجير طائرة ركاب أمريكية، بعد تدريبات تلقاها على أيدي تنظيم القاعدة في اليمن. ومنذ 2010 أصبح اليمن تقريبا تحت وصاية دولية غير معلنة، وفي عام 2011 قرر اليمنيون التخلص من النظام الذي أوصلهم لهذه الحال، فلم يجد المحيط الإقليمي والمجتمع الدولي بدا من مناصرة الشعب اليمني والوقوف إلى جانبه حتى تحقيق أهدافه..

وكأي مجتمع ثار على نظام الحكم الفاسد، لا بد أن تكون هناك انعكاسات سلبية على جميع جوانب الحياة العامة، فتردت الخدمات وتراجع الأمن ودخل الاقتصاد في مرحلة انهيار. وكان الأمر الأكثر سوءا هو تردي الأحوال المعيشية للمواطنين، ولأول مرة يتعرض اليمنيون لما يشبه المجاعة في العصر الحديث، ولولا تكاتف المجتمع وتماسكه وتضامنه لوصلت الأمور إلى أوضاع أسوأ بكثير مما هي عليه الآن. وهكذا حتى تصاعدت الآمال بالانتقال إلى حال أفضل، مع توقيع المبادرة الخليجية وبدء تنفيذها..

وبموجب المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، فقد توزعت المهام بين الرئيس عبد ربه منصور هادي وحكومة الوفاق الوطني التي تشكلت في 7 ديسمبر الماضي، فالمهام السياسية والأمنية والعسكرية تدخل ضمن المسؤولية المباشرة لرئيس الجمهورية، فيما تعنى الحكومة بالاقتصاد والخدمات والإصلاحات وسائر الشؤون العامة الأخرى.. إلا أن الحكومة غرقت في الروتين اليومي، الذي زادت تعقيداته نتيجة مخلفات سنوات طويلة من الفوضى والمحسوبية والفساد، صاحبها انفلات كبير في مختلف مرافق وأجهزة الحكومة خلال الثورة الشعبية السلمية، مما زاد من تراكم المصاعب والمشاق على الحكومة الجديدة، والتي إن ظلت تدير أعمالها بنفس الآلية الروتينية المتوارثة، فإنها ستجهض أحد أهم أهداف الثورة الشعبية من حيث لا تعلم، ناهيك عن أنها لن تستطيع إقناع المجتمع الدولي بخطأ إدراج اليمن في قائمة الدول الفاشلة، وهو الذي ثار أساسا من أجل الخروج من دائرة الفشل!

أصبح من الضرورة بمكان أن تقف الحكومة اليوم أمام نفسها لتراجع طريقة أدائها. وهذه المراجعة ستحتاج إلى شجاعة وجرأة ومكاشفة صريحة، سواء في ما يتعلق بأداء رئيس الحكومة الذي لم يختر أيا من وزراء حكومته، ومع ذلك فإنه يتحمل على الأقل مسؤولية تقويم وتقييم أدائهم، أو على صعيد أداء كل وزير على حدة، أو على صعيد الأداء الجمعي لمجلس الوزراء الذي يجتمع أسبوعيا وما زال يدور في الآلية النمطية نفسها الغارق فيها منذ سنوات طويلة..

ورغم كل المحاولات التي تبذلها الحكومة لإعادة الأوضاع والخدمات إلى سابق عهدها - وهي أساسا كانت دون المستوى المطلوب - إلا أن ذلك ليس فقط ما اختيرت من أجله، لأنها ببساطة الحكومة التي جاءت بها الإرادة الشعبية التي تنشد التغيير وتريد رؤية أداء أفضل ومؤشرات جديدة وجدية في إدارة شؤون البلاد. فهذه الحكومة هي أول حكومة يمتلك وزراؤها قرارهم - إن أرادوا - وهي أول حكومة يستطيع وزراؤها - إن أرادوا - رفض التدخلات في شؤونهم من مراكز النفوذ المتبقية من عهد الرئيس السابق، دون أن يخشوا التغيير والإبعاد، ودون أن يشعروا بالخوف والقلق على مصائرهم في حال رفضهم لتلك التدخلات، ومن ثم لا توجد أمامها أعذار للفشل..

وعلى سبيل المثال فإن أمام هذه الحكومة خلال العامين القادمين، مهمة إزالة الغبار عن وجه الوحدة اليمنية، وتحويلها إلى خيار جذاب أمام أبناء المحافظات الجنوبية الذين أصابهم الإحباط بسبب الأداء السيئ للنظام السابق في تلك المحافظات.. كما أن على هذه الحكومة أيضا وضع رؤى استراتيجية في مختلف القضايا، بدلا من الإغراق في الروتين اليومي. فنحن نريد على سبيل المثال، أن نرى خلال الشهور القادمة استراتيجية تعليمية جديدة، وأن نرى أكاديميات عليا تعنى بتأهيل القادة الإداريين في الدولة، لأن مفتاح التغيير إلى الأفضل هو الإدارة الحديثة، التي لم يعرف اليمنيون طريقهم إليها حتى هذه اللحظة!

 

Email