هل لا نزال بحاجة لأن نشرح ماهية شبكات التواصل الاجتماعي، والتي لشدة تأثيرها أدت إلى ظهور ما يسمى بالإعلام الجديد، والذي جاء بدوره ليفرض قواعده على صنعة الإعلام بأسرها؟ لا أظن، فالكل قد صاروا من مستخدمي هذه الشبكات، أو أصبحوا على الأقل يعرفونها أو قد سمعوا الناس من حولهم يتكلمون عن تويتر وفيسبوك وأخواتها.

هذه الشبكات، بمجانيتها وسهولة الوصول إليها لكل من يمتلكون اتصالا بالانترنت عبر الكمبيوتر أو من خلال هواتفهم الذكية، وهي التي انخفضت أسعارها بشكل كبير أيضا فأصبحت متاحة ومبذولة للجميع، صارت تمثل اليوم العمود الفقري للتواصل بين الناس وتناقل الأخبار وتبادل المعلومات بكل أشكالها، قفزا فوق كل الحدود الجغرافية والسياسية. خبر ينطلق من مشرق الأرض، لا يحتاج إلا إلى دقائق معدودة ليدور حول الكرة الأرضية من أقصاها إلى أقصاها، مثيرا آلاف الردود والتفاعلات والكتابات في مختلف الدول وبمختلف اللغات.

 وعلى سبيل المثال، خلال ١٢ ساعة من ظهور خبر مقتل أسامة بن لادن منذ عام تقريبا كان قد كُتب على الانترنت أكثر من أربعين ألف مقالة وتدوينة حول الموضوع، ونُشِر أكثر من مليوني تغريدة على شبكة تويتر لوحدها، ناهيك عن بقية شبكات التواصل الاجتماعي!

ومع ذلك، تظل حقيقة قوة وفعالية هذه الشبكات في الواقع أكثر إدهاشا من أي وصف يمكن أن يأتي به أحد ما، وذلك لأنها السكاكين السويسرية، تلك القطع الصغيرة التي بها عشرات الأدوات الصالحة للاستخدام في ألف غرض وغرض، الأمر الذي جعل مختلف الشركات والأفـراد يخرجون علينا وبلا توقف بأفكار وإبداعات متجددة لتوظيف واستخدام الامكانات الهائلة لهذه الشبكات، والتي سرعان ما تجد بدورها الانتشار الكبير بين المستخدمين في كل مكان. خدمة موقع انستاغرام الشهيرة، على سبيل المثال، والتي ابتدأت كفكرة بسيطة لشابين في العشرينات من عمريهما لنشر الصور الملتقطة عبر هواتف الآيفون وربطها من خلال شبكات التواصل الاجتماعي كتويتر وفيسبوك، انتهت إلى أن تستحوذ عليها شبكة فيسبوك العملاقة بعد سنتين من إنشائها وتشتريها في صفقة بلغت قيمتها مليار دولار!

لكن هذه الشبكات، وكأي وسيلة يخترعها الإنسان، وخصوصا في ظل البساطة الشديدة والسهولة الواضحة للدخول في عالمها وللانضمام لها، ليست سوى سلاح متعدد الشفرات، فكما أن من الممكن أن يتميز الإنسان في استخدامه لها وصولا إلى أكبر الفوائد والتأثيرات، فمن السهل جدا أن يضر نفسه أو غيره عبر سوء استخدامه لها. وقد شاهدنا وتابعنا كثيرا كيف أدى استخدام هذه الشبكات بطريقة خاطئة أو غير مدروسة إلى الإضرار بمن استخدمها، إما على مستوى سمعته أو تكبيده خسائر مادية أو تحميله مسؤولية قانونية ما.

ولهذا السبب، صارت الجهات والأفراد المعتبرين يحرصون على التعامل مع هذه الشبكات بجدية ودقة. صارت بعض الشركات الكبرى تقوم اليوم بتعيين خبراء متخصصين لإدارة حساباتها في شبكات التواصل الاجتماعي، وشركات أخرى أصبحت تعهد بإدارة حساباتها لجهات تتخصص في ذلك. وصرنا كذلك نرى في كل يوم كتبا ومجلات ومواقع الكترونية على شبكة الانترنت تخرج لشرح وتعليم الطرق الأمثل والأكثر احترافية للتعامل مع هذه الشبكات والاستفادة منها واتقاء أضرارها ومعالجة مشاكلها.

في السابق لعلي كنت أقول أن على الجهات التي لا تريد أن تقع في الزلل والمشاكل، أن تتجنب الدخول إلى شبكات التواصل الاجتماعي ما لم تكن مستعدة وجاهزة لذلك، ولكنني اليوم صرت أؤمن بأن هذا لم يعد خيارا متاحا، بل صار من اللازم على كل جهة لديها من الخدمات أو المنتجات ما تحتاج لأجله أن تتواصل مع جمهورها أن يكون لها تواجد وحضور على هذه الشبكات، وليس أمامها أبدا، وبطبيعة الحال، أن يكون هذا التواجد ضعيفا أو غير محترف، فالمنافسة شديدة وضارية، ولا صمود ولا بقاء لمن يتخلف عن الركب.