طالب مسؤولون أوروبيون وأميركيون وعرب بوحدة فصائل المعارضة السورية، وصرحوا أكثر من مرة، أن هذه الوحدة هي الخطوة الأولى لتغيير النظام السوري وإقامة نظام جديد ديمقراطي تعددي تداولي.

ووجهت جميع الأطراف المعنية داخل سورية وخارجها اللوم لفصائل المعارضة لأنها عجزت عن توحيد تنظيماتها، أو على الأقل الاتفاق على برنامج موحد، بما يؤهلها لتكون بديلاً عن هذا النظام، وتطمئن الآخرين، على أن الانتقال سيكون ناجحاً وسلمياً، وصدّقت المعارضة السورية بجميع فصائلها أنها هي التي ستقود المرحلة المقبلة.

ولذلك أخذ كل من هذه الفصائل يؤكد على استقلاليته وقدرته وربما وحدانيته، ويميز نفسه عن الفصائل الأخرى، كما أخذ بعضها يفترض أنه الممثل الوحيد للشعب السوري، وهذا كان شأن المجلس الوطني السوري الذي فشل على أية حال، بإقناع الدول (أصدقاء سورية) الثلاث والثمانين باعتباره ممثلاً وحيداً للشعب السوري.

ولذلك، ومن المنطلق نفسه، أجرى محادثات مع ما يسمى جيش سورية الحر، وعقد معه اتفاقاً يعطي الحق للطرفين معاً بقيادة سورية بعد التغيير عندما يحصل. كما وصلت (الرغبة أو الوهم لدى المجلس) أن يوجه رسائل للدول التي تعقد اتفاقيات مع النظام السوري الحالي يعلمها فيها أنه سيعتبرها اتفاقيات غير مشروعة وملغاة.

وفي الوقت نفسه، قلل من أهمية فصائل المعارضة الأخرى، حتى لو كانت أكثر منه عددا وبرامجها أفضل من برامجه (هذا إذا كان لديه برنامج) وراهن على أنه سيطلب التدخل الخارجي العسكري لإسقاط النظام السوري.

وسخر ممن يقول بإمكانية إسقاط النظام الحالي بدون تدخل عسكري ومن خلال وحدة وطنية شاملة وقيادة موحدة وبرنامج موحد وتنسيق جدي مع الحراك الشعبي، وكذلك من الذين يقولون بأن التدخل العسكري الخارجي لا يدمر النظام فقط بل يدمر الدولة برمتها.

لقد تسربت أخبار نشرتها بعض الصحف، وخاصة ((النيوزويك)) مفادها أن الدول الأوروبية والأمريكية والعربية المساندة للثورة السورية (وضعت خارطة طريق) مفادها دعم (جيش سورية الحر) دعماً مالياً، وتقديم السلاح له، ودفع راتب شهري أقله (200) دولار أمريكي للجندي الواحد المنشق. وتساعد الجيش الحر على توحيد تنظيماته بقيادة موحدة تسيطر على قطعاته وفصائله في مختلف أنحاء سورية.

وتؤهله ليحقق أمرين في آن واحد اولهما تسريع الانشقاق في الجيش السوري، باعتبار أن المنشقين سيجدون ملجأ لهم مع راتب وسلاح، وثانيهما بدء صراع عسكري مع الجيش السوري النظامي، بهدف التغلب عليه عسكرياً، مع وعد ضمني بأن القيادة المقبلة بعد سقوط النظام ستكون للجيش الحر.

من المؤكد أن هذه الخطة، إذا طبقت، سوف تؤدي لتسارع الانشقاق في الجيش النظامي، وتؤهل الجيش الحر ليكون قادراً على الصراع، مما يؤدي إلى تدمير سورية بكاملها جيشاً وسلاحاً وتنظيمات مدنية ودولة ومؤسسات عامة وتقاليد سياسية وغيرها. وربما سيحقق الرغبة الأمريكية التي تعمل على تحقيقها منذ بداية الانتفاضة السورية.

وخلاصتها أنها لا ترغب بتغيير النظام إلا إذا جرى تدمير الدولة السورية والجيش السوري على التوازي مع تغيير النظام، ولهذا فإن كل ما كانت تطالب به واشنطن حتى قبل أشهر هو تنحي الرئيس الأسد وليس تغيير النظام أو إسقاطه، ويقال أنها غيرت موقفها في الشهر الأخير ولم تعد تطيق الانتظار.

وتستعجل سقوط النظام. إذا نجحت هذه الخطة، فسوف تُسلم هذه الخطة سورية ما بعد النظام الحالي إلى الجيش الحر، وتنحي المعارضة السياسية، بمختلف فصائلها جانباً، ونظراً لأن السياسة الأمريكية وسياسة بعض الدول العربية والأوروبية هي التي سوف تدعم الجيش الحر وستوصله إلى السلطة، فمن صالحها أن يكون هو الحاكم، وأن تنحي المعارضة السياسية السورية جانباً هي ومطالبها وبرامجها التي تكونت تاريخياً من يسارها إلى يمينها.

قد يعيق تنفيذ هذه الخطة، قبول السلطة، وفصائل المعارضة السورية عقد تسوية تاريخية، أساسها الاتفاق على تغيير النظام الحالي إلى نظام ديمقراطي تعددي تداولي، يحترم معايير الدولة الحديثة خاصة الحرية والمساواة والعدالة وفصل السلطات وسيادة مرجعية المواطنة وقبوله التخلص من أولئك الذين ارتكبوا جرائم سياسية أو عسكرية أو جرائم فساد أو قتلوا مواطنين أو عذبوهم أو ما يشبه ذلك،.

وإحالتهم إلى المحاكمة، وفي الوقت نفسه تشكيل حكومة وحدة وطنية لها مطلق الصلاحية كي تشرف على المرحلة الانتقالية، وتعقد انتخابات لجنة تأسيسية مهمتها وضع دستور جديد للبلاد، وإجراء مصالحة مبنية على أسس موضوعية وعادلة، تحترم حقوق السوريين وحرياتهم.

ولكن هناك عوائق كثيرة وكبيرة أمام تحقيق هذا السيناريو، على رأسها رفض السلطة القائمة الآن أية تسوية تاريخية، وإصرارها على قناعتها وأوهامها أنها ستنتصر على شعبها، وتحتفظ بالصلاحيات الممنوحة لها الان في الدستور والقانون كما هي، حتى إنها ترفض أقل تغيير، بما في ذلك تنظيم الفساد.

ولذلك يطلق كل أسبوع بعض مسؤوليها تصريحات تنبئ بأن الانتفاضة انتهت والثورة (خلصت) وأن السلطة ستعيد الدولة والمجتمع إلى قبضتها. علماً بأن أكثر من 60% من القرى والبلدات وبعض المدن السورية أصبحت خارج سيطرة النظام ليلاً، وتحتاج لمداهمات بالدبابات أو قصف بالمدفعية كي تدخلها.

من جهة أخرى يُلاحظ أن فصائل المعارضة السورية تستسهل تغيير النظام وتراه في متناول اليد، مع أن حل الأزمة السورية أصبح الآن خارج الحدود، واستسهالها هذا يرفع سقف مطالبها وعلى رأسها ضرورة تنحية الرئيس قبل البدء بأي حوار حول التسوية التاريخية، ومرة أخرى المطالبة باستسلام النظام دون قيد أو شرط، مما أوحى للجماهير الشعبية المنتفضة بتبني مثل هذه الشعارات،.

وهي لا تلام في ذلك لأنها تدفع ثمناً مباشراً من القتل والتعذيب وحرق البيوت والسجون، ومن الطبيعي أن يكون سقف مطالبها متطرفاً تواؤماً مع ما تواجهه من إجراءات السلطة القمعية الاستبدادية، لكن ربما لا تصلح هذه المطالب لتكون أساس تسوية سياسية أو تاريخية.

يبدو أن الحراك الدولي ومؤثراته، فضلاً عن مؤتمرات المعارضة، وغيرها من النشاطات، هي تحركات تعرف الدول المعنية أنها مجرد تمهيد لخارطة الطريق هذه، وكسب الوقت بانتظار استكمال شروط نجاحها.