أخلاق التجار

في نقاش مع أحد الأصدقاء اعتبر ان سبب أزمات الاقتصاد العالمي هو ابتعاد الجميع عن أسس العلاقات التجارية والأخلاق التي حددها الإسلام، ثم علل كلامه قائلاً: انتشر البيع فوق البيع، فبارت السلع.

هذه الأخلاق التي كان لها بعد كبير على رواج دعوة الإسلام حتى دخلت الصين في الإسلام، وهذه الأخلاق نفسها هي التي أدت إلى إزدهار الاقتصاد الإسلامي وتوسع رقعته خارج حدوده السياسية في العالم الإسلامي، بل أكثر من هذا صارت هذه الأخلاق الاقتصادية توسع حدود الرقعة الإسلامية في ذلك الوقت، سواء أكانت تابعة للخليفة في عصرها أم مستقلة بذاتها.

ذهبت البركة في التجارة وأصبح بعضنا يبيع على بيع بعض، بمعنى إغراق السوق بالسلع أو بسلعة معينة فيتغير منحنى العرض وتابعاً منحنى الطلب وتكسد البضاعة وتباع بأبخس الأسعار، وهو ما نهانا عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم.

في كتاب البيوع الذي يجب ان يقرأه كل تاجر مسلم حتى يعرف ما له وما عليه، وبالسند المتصل إلى نبينا صلى الله عليه وسلم؛ حدثنا إسماعيل قال حدثني مالك عن نافع عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يبيع بعضكم على بيع أخيه.

في كتاب البيوع في صحيح البخاري؛ نجد فيه النظريات الاقتصادية التي ندرسها ونعمل بها، فهو يرشد إلى بعد جديد وهو غيبي تشعره ولا تمسكه وهو البركة والسعة في الرزق وفهم دقائق الأمور. علاوة على تهذيب النفس من صفات الطمع وحب الفائدة ومظنة ان في هذا المصلحة.

علم الاقتصاد هو علم قائم على سلوك المجتمعات وهذا السلوك نتاج حاجات فطرية. وهذه الحاجات الفطرية نظمتها العقائد والشرائع التي يعتنقها الناس. فيعرف كيف التعامل مع المواد والسلع التي تشبع تلك الحاجات والرغبات الفطرية.

فالتجار المسلمون كانوا وما زالوا سفراء الإسلام وهم واجهة الدين، وعندهم أفضل بضاعة، أخلاق محمد خاتم الأنبياء والمرسلين عليهم وعلى نبينا السلام. أما عن العلاقة التجارية في الإسلام والأزمة المالية، فتذكرت أعظم أزمة إقتصادية مر بها العالم وهي التي في قصة يوسف عليه السلام. هذه الأزمة التي كانت إفلاساً حقيقياً للبشرية، واستمرت سبع سنوات.

ولكن احتاجت أيضاً عمل سبع سنوات لتستطيع البشرية المرور من هذه الأزمة الاقتصادية التي قضت على منحنى العرض الاقتصادي تماماً، فما كان من نبي الله يوسف إلا ان قام ببناء منحنى عرض جديد لتلك السبع سنين من ما خزن من محاصيل السنوات السبع المزدهرة.

كان أبو حنيفة، خزاز (تاجر حرير) وكان أول من ملك مركزاً تجارياً ووضع فيه نظام خدمة الزبائن، فكان يمنع الباعة ان يزكوا بضاعته للمشتري. فذات مرة جاءت إمرأة تشتري الحرير ففتح ابنه حماد طاقة الحرير وقال ما شاء الله فقال الإمام أبو حنيفة يا حماد إجمع القماش فليست للبيع لقد زكيت.

وكان غنياً يقرض الناس، فذهب مع الناس يعود مريضاً وقت الظهر، فاستظل الناس بحائط البيت وبقى هو واقفاً في الشمس ينتظرون ان يفتح الباب لهم، فقالوا له اقترب تستظل بالحائط حتى يأذن لنا، فقال أبو حنيفة: لا.. إن صاحبكم مديون إلي وأخاف ان يجر الدين نفعاً فأكون قد رابيت. وكما قال الشافعي إن لم يكن للفتى عون من ربه فإن أول ما يقضي عليه اجتهاده.