القضية الحوثية على طاولة الحوار اليمني

ت + ت - الحجم الطبيعي

عندما يتأمل المرء في المخلفات التي تركها الحكم السابق وراءه، يجدها مهولة كماً وكيفاً، وخاصة من الناحية الاقتصادية تحديدا.. وكما نتابع فإن مؤتمر الحوار الوطني الذي من المقرر أن يبدأ أعماله خلال الربع الأخير من العام الجاري، سيجد نفسه أمام عدد من القضايا السياسية المعقدة.

ومن بينها القضية الحوثية التي شهد اليمن بسببها ست حروب في محافظة صعدة، بين عامي 2004 و2010، وامتدت لأجزاء من محافظات الجوف وعمران وحجة.

ومع انطلاق الثورة الشعبية السلمية ضد حكم الرئيس السابق علي صالح بدايات العام الماضي، قرر هذا الأخير سحب ممثلي السلطة في محافظة صعدة لتصبح فعلياً تحت السيطرة الكاملة للحركة الحوثية، رغم أن وجود المحافظ خلال العام 2010 كان رمزياً، ففيما عدا الحربين الأولى والثانية اللتين نجح الجيش خلالهما في استعادة سيادة الدولة على مديريتين كان الحوثيون قد هيمنوا عليهما.

فإن الجيش خسر الحروب الأربع الباقية التي كان الحوثيون يتمددون عقبها أكثر فأكثر في السيطرة على بقية مديريات المحافظة. وفي بدايات الثورة الشعبية السلمية أعلن الحوثيون تأييدهم لها، ودفعوا بشبابهم في العاصمة صنعاء إلى الاعتصام في ساحة التغيير، وتمثلوا بأحد أعضائهم في المنسقية الشبابية العليا للثورة.

ومع انطلاق المفاوضات بين نظام صالح وقوى الثورة حول المبادرة الخليجية برعاية إقليمية ودولية، أعلن الحوثيون رفضهم لها دون بديل واضح، لأن الخيارات انحصرت إما في الحسم المسلح .

وهو ما رفضته كل قوى الثورة، أو الحل السلمي عبر المبادرة الخليجية بسلبياتها وإيجابياتها، وهذا ما حدث، فيما ظل الحوثيون حتى اللحظة يعلنون رفضهم لها ويعتبرونها خيانة لدماء الشهداء، لكنهم في الوقت ذاته لم يجدوا تجاوبا شعبياً بالقدر الذي يريدونه لموقفهم السياسي.

ظل موقف الحوثيين غامضاً من مسألة المشاركة في الحوار الوطني القادم، حتى قامت لجنة الاتصال الرئاسية المكلفة بالتواصل مع مختلف القوى أوائل يونيو المنصرم، بزيارة مدينة صعدة والتقت بقائد الحوثيين عبد الملك الحوثي.

وانتهى اللقاء بموافقته على مشاركة حركته في الحوار، بعد أن جرى نقاش مستفيض دار خلاله عتب متبادل على مواقف سابقة.. وعاد وفد لجنة الاتصال إلى صنعاء متفائلا بنجاحه في قطع خطوة على طريق التحضير للمؤتمر الوطني، إذ لن يكون للمؤتمر معنى إن لم تشارك القوى الرئيسية المؤثرة في المشهد السياسي اليوم.

ومن المتصور أن يكون لدى الحركة الحوثية من الذكاء ما يجعلها تشارك بفاعلية في التحضيرات للمؤتمر، حيث سيتم تمثيلها بالتأكيد في اللجنة التحضيرية التي ستتشكل في الأيام القادمة. فإلى جانب تحقيق أحد أهدافها الأساسية - بفعل الثورة الشعبية - والمتمثل برحيل الرئيس علي عبد الله صالح عن الحكم، سيكون عليها الآن إثبات.

وتأكيد حضورها السياسي الفاعل من خلال المشاركة في الحوار، لأنه سيعطيها ليس فقط حضورا وطنيا، بل وحضورا إقليميا ودوليا، خاصة إن نجحت في إقناع الجميع بجديتها في التخلي عن العمل المسلح في الفترة القادمة، وقبولها بسيادة الدولة في عهدها الجديد على كافة أرجاء محافظة صعدة.

واختيارها للوسيلة التي تجد أنها مناسبة لتعزيز حضورها السياسي مستقبلا، عبر إقامة حزب سياسي وانتقال قائدها عبد الملك الحوثي إلى العاصمة لممارسة نشاطه منها لاحقا، عند استتباب واستقرار الأوضاع الأمنية.

لقد أعلن الحوثيون خلال الشهور الماضية عن رؤيتهم الفكرية والثقافية، وهذا حقهم الذي لا مراء فيه مهما كان الخلاف مع هذه الرؤية، ومن حقهم التعبير عنها والتبشير بها بكل الوسائل المشروعة في أي مكان في اليمن، بعيدا عن العنف أو الفرض بالقوة أو ادعاء حصرية التمثيل لمذهب أو سلالة، تماما.

كما لبقية التيارات الإسلامية أن تروج لأفكارها بذات الطريقة، في أي مكان في اليمن بما في ذلك صعدة، فحرية الفكر يفترض أن تكون في مقدمة مكاسب الثورة الشعبية والتغيير السياسي الذي حدث.. إلا أن الجميع يترقبون الرؤية السياسية للحركة الحوثية.

وهي المسألة التي تهم كل الأطراف السياسية الفاعلة اليوم وهي تستعد لمؤتمر الحوار الوطني، خاصة أن الحوار سيتم معهم مثلما مع غيرهم، كطرف سياسي وليس كطرف ثقافي أو فكري. وهذا سيتطلب منهم إعداد رؤاهم السياسية لمختلف القضايا الوطنية، إلى جانب التسوية السياسية المطلوبة برؤية وطنية لمشكلة محافظة صعدة خاصة أن هناك أطرافا أخرى "صعدوية" معنية بهذه التسوية وتضررت، سواء من الحروب التي حدثت أو من نتائجها.

وهناك اليوم صراعات لتيارات إسلامية لا بد من تسويتها، وهناك نازحون ما زالوا خارج مناطقهم لم يتمكنوا من العودة إليها، وهناك شخصيات سياسية وقبلية من أبناء صعدة وقفت ضد الحوثيين في فترات الصراع، لا تستطيع الإقامة فيها الآن ومن حقها العودة لممارسة حياتها الاعتيادية.. ومثل هذه الأمور جميعها ستحتاج لتسويات سياسية ومصالحات محلية، سيكون مكانها مؤتمر الحوار الوطني بالتأكيد.

وحتى كتابة هذا المقال، لم يصل إلى علمي أن الحركة الحوثية قد أنجزت رؤيتها السياسية لمستقبل اليمن من جميع الجوانب، استعداداً للحوار الوطني، خاصة أنها مرشحة لأن تكون قوة سياسية فاعلة في مرحلة ما بعد الفترة الانتقالية الحالية، وهي في تصوري حركة ناضجة سياسياً، قياسا على أدائها السياسي والإعلامي المتفوق خلال حروب صعده الثلاثة الأخيرة..

وكمراقب وصحافي يعنيه استقرار اليمن وتقارب قواه السياسية، أتصور أن شكل النشاط السياسي للحركة الحوثية سيتطلب منها تلقائياً خلال الفترة القادمة، تصحيح بعض التصورات التي تكونت عند الناس عنها خلال السنوات الماضية، وهي في تصوري لديها من المرونة ما يجعلها تكون أكثر واقعية، خصوصاً إذا لم يبخل عليها بالنصح والتسديد والرأي بعض القيادات السياسية والفكرية المتعاطفة معها سواء المقيمة في صنعاء أو خارج اليمن.

فمتطلبات الشراكة الوطنية في المرحلة القادمة، توجب بالضرورة مراجعة الأفكار والسياسات والتصورات الجامدة، من كل التيارات على اختلاف مشاربها، وبالذات تلك التي تحصر نفسها إما مذهبياً أو شطرياً أو قبلياً، وتظن أن وجودها واستمرارها مرهون بذلك.

فاليمن قد عانى بما يكفي في الماضي ويحتاج لشجاعة كبيرة من جميع قواه الحية اليوم  وبالذات تلك التي شاركت في ثورة التغيير، أن تقف بجدية مع نفسها أولا قبل أن تضع الشروط على غيرها، إذ ينبغي على كل طرف إصلاح عيوبه ومراجعة ذاته، قبل الخوض في القضايا الكبرى التي سيشهدها مؤتمر الحوار الوطني الذي سيرسم مستقبل اليمن.

 

Email