ألغام في طريق الحوار الوطني اليمني

بدأت وتيرة التحضير لمؤتمر الحوار الوطني في اليمن تمضي على قدم وساق، من خلال شروع اللجنة الفنية التحضيرية في أعمالها المناطة بها، والإعداد الفني لانعقاد مؤتمر الحوار الوطني في منتصف نوفمبر القادم، أي أن عملية التحضير ستمتد لثلاثة شهور على الأقل، ثم ترفع اللجنة تقريرها النهائي للرئيس عبد ربه منصور هادي، وعلى ضوئه سيتولى هو بنفسه الإشراف على الإجراءات النهائية لانعقاد المؤتمر، الذي يفترض فيه إنجاز كل التصورات الخاصة بمستقبل اليمن والتهيئة للدخول في الانتخابات النيابية المقررة في أوائل 2014، والتي ستجري بموجب الدستور الجديد الذي سينجزه مؤتمر الحوار.

يدرك جميع المراقبين أن المهمة ستكون صعبة ومعقدة، سواء مرحلة التحضير التي سيختلط فيها السياسي بالفني بالتأكيد، أو مرحلة انعقاد المؤتمر بسبب نوعية القضايا التي سيناقشها، وهي كلها من موروثات العهد السابق، إضافة إلى رسم ملامح اليمن الجديد، سواء على مستوى شكل الدولة أو على مستوى نوع النظام السياسي، وما سيترتب على الخيارين اللذين سيتم التوصل إليهما، من تغييرات وتعديلات في العديد من نصوص الدستور وهياكل الدولة.

وفيما يبدي بعض قوى الثورة اليمنية حماسا شديدا للمضي في المؤتمر وإنجاحه لتحقيق الأهداف الرئيسية للثورة الشبابية الشعبية، فإن قوى أخرى، بعضها وقف مع الثورة وبعضها وقف ضدها وبعضها ظل يتنقل هنا وهناك، لا تبدي حماسا للتحضيرات إلا بقدر ما تريد ضمان تحقيقه مسبقا من أهداف خاصة بها، أكثر مما هي أهداف وطنية عامة، وهو الأمر الذي يرفضه الرئيس هادي وترفضه قوى الثورة الرئيسية، ويرفضه الرعاة الإقليميون والدوليون للمبادرة الخليجية، باعتبار أن أي شروط مسبقة للحوار هي أمر مرفوض كمبدأ، طالما أن سقف الحوار مفتوح لطرح كل القضايا.

وفي المقابل يرى شباب الثورة، ومعهم معظم قواها السياسية، أنه من الضرورة بمكان إنجاز العديد من المهام خلال الشهور الثلاثة القادمة لتمهيد أرضية سليمة للحوار، وبعض هذه المهام التزامات منصوص عليها في المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، وكان المفترض أن يكون الرئيس واللجنة العسكرية وحكومة الوفاق الوطني قد أنجزوا بعضها كل في ما يخصه، وبالتالي فإنها ليست شروطا كما يحلو لبعض الأطراف المتضررة منها أن تصفها.

فعلى سبيل المثال، كان من الضروري أن يكون قد تم إصدار قانون "العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية"، لكن ذلك لم يتم بسبب خلاف الأطراف السياسية الشريكة في الحكم حتى الآن، على المدى الزمني الذي يجب أن يشمله القانون، وهو خلاف لم يتم طي صفحته بعد.

ومن القضايا التي ما زالت تراوح مكانها وتثير الكثير من الدهشة والاستغراب لعدم حسمها حتى الآن، قضية المعتقلين المخفيين قسرا خلال فترة الثورة، والذين لم تتحدد أماكن اعتقالهم حتى الآن، رغم أن الرئيس هادي وجه الجهات المعنية بسرعة الإفراج عنهم، كما فعلت الحكومة نفس الشيء دون جدوى، بسبب نفي الجهات الأمنية المعنية وجودهم لديها.

والأرجح أنهم معتقلون في سجون سرية غير رسمية، ولعل عناصر النظام السابق تعتبرهم ورقة ضغط لتحقيق مآرب سياسية معينة لم تتضح حتى الآن ماهيتها، ناهيك عن أن الخوف على حياتهم يتزايد كلما مر الوقت دون تحقيق تقدم بشأن الإفراج عنهم.

ورغم أن العدد ليس كبيرا بالقدر الذي يحدث في دول عربية أخرى، لكنهم يقتربون من مائة معتقل كلهم معروفون، وقد تم رصد أسمائهم وتواريخ اختفائهم بما يجعل القضية ليست محل شبهة مطلقا.

وإذا كانت قضية المعتقلين إنسانية بامتياز، فإن قضية هيكلة الجيش وإعادة تشكيل قيادته على أسس وطنية، هي قضية وطنية وسياسية بامتياز، كونها تعبر عن روح مرحلة الثورة وجوهر عملية التغيير، الذي ينبغي أن يخرج البلاد من ضيق الحكم العائلي إلى سعة الحكم الوطني.

ورغم الخطوات التي تم إنجازها في هذا المجال، فإن ما تبقى يمثل العقدة السياسية التي ينبغي تفكيكها وتجاوزها، والانتقال إلى مرحلة إعادة بناء الجيش وهيكلته فنيا، بموجب المواصفات الدولية المتعارف عليها كقوات برية وبحرية وجوية، فيما يصبح الحرس الجمهوري مجرد لواء واحد معني بوظيفته المعتادة، وهي حراسة رئيس الجمهورية وكبار قادة البلاد، وهم لا يتجاوزون خمس إلى ست شخصيات.

وبالقدر نفسه من الأهمية تبدو عملية إنقاذ حزب "المؤتمر الشعبي العام" من الانقسام والتشظي، وهو الحزب الشريك في الحكم وصاحب الأغلبية النيابية، والذي ما زال الرئيس السابق علي عبد الله صالح يترأسه. ذلك أن استمرار تمسك صالح برئاسته، تعني أن يتجه الرئيس هادي، وهو النائب الأول لرئيس الحزب وأمينه العام، إما للانشقاق بالجزء الأكبر من الحزب، أو لتشكيل حزب جديد..

وتلوح الفرصة الأخيرة لإنقاذ الحزب أواخر الشهر الجاري، بانعقاد مؤتمره الثامن في الذكرى الثلاثين لتأسيسه، حيث يفترض أن يتخلى صالح عن رئاسة الحزب لهادي ويعتزل الحياة السياسية نهائيا، كما هو مفترض منذ البداية، مقابل الحصانة الكاملة التي منحت له، إلا أنه لا شيء يؤكد حتى الآن أن صالح سيفعل ذلك.

رغم كل الضغوط التي تمارس عليه من قيادات هامة في الحزب ومن رعاة المبادرة الخليجية، بسبب الإدراك العميق أن الحوار لن يتكلل بالنجاح إذا ظل الرئيس السابق مستمرا في فرض هيمنته على حزب المؤتمر، خاصة مع استمرار استقوائه بالسيطرة على عدد من وحدات الجيش القوية..

وكما هي أبسط قواعد العمل السياسي المتعارف عليها، فإنه لا يمكن لأي حوار أن ينجح بين أطراف سياسية إذا كان بعض هذه الأطراف يمتلك قوة مسلحة ضاربة.. وهذا ما حدث في أزمة صيف 1993، وهو ما ينبغي أن يدركه الرئيس هادي فلا يسمح بتكرار الأمر ذاته، مما يوجب عليه سرعة نزع كل عوامل القوة العسكرية النظامية من الأطراف السياسية، وتوحيد أجنحة الجيش المتصارعة تحت قيادته.

ومن الأمور التي ستعزز عوامل نجاح الحوار الوطني، العمل على تقييم أداء الحكومة القائمة، والتي بدا أداؤها مخيبا للآمال إلى حد كبير، وكذلك تقييم دور مجلس النواب وتحديد المهام المطلوبة منه في الفترة الانتقالية، حتى لا يصبح أحد مسببات الأزمة بدلا من أن يكون أداة لتكريس الوفاق السياسي اللازم للخروج من الحالة الراهنة..

إلى جانب الشروع في المعالجات العاجلة التي اقترحها الحزب الاشتراكي اليمني ولقيت دعما وطنيا واسعا، لمخلفات حرب صيف 1994 والممارسات التي تبعتها وانعكست سلبا على أوضاع المواطنين في المحافظات اليمنية الجنوبية.