هل من موقع للطفل في الإعلام العربي؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

في عصر الفيسبوك وتويتر والشبكات الاجتماعية، عصر الانترنت والعصر الرقمي، يكثر الكلام ويتشعب حول إشكالية الطفل والإعلام، وحول السبل والطرق المختلفة لتأمين الإعلام الجيد والفعال لجيل المستقبل. والإشكالية المطروحة في هذا الشأن هي؛ ما هو الحيز الذي يُخصص للطفل في السياسات الإعلامية إن كانت هناك سياسات أصلاً؟

وما هي الميزانية التي تُخصص لإنتاج المواد الإعلامية (كتب، كرتون، قصص، أفلام، مسرحيات، ألعاب، فيديو، مجلات... الخ) الموجهة للطفل؟ وما هو حجم الأبحاث والدراسات الإعلامية المخصصة لموضوع الطفل والإعلام؟ وما هي الأفكار والقيم والعادات والتقاليد التي يمكن أن يغرسها ويلقنها الإعلام للطفل؟

بطبيعة الحال، المنتجات الإعلامية التي تقدم للطفل إذا اختيرت بعناية، فإنها ستسهم في تنمية قدراته النفسية والفكرية والتعليمية.

إن واقع الإعلام الموجه للطفل في الدول العربية يبعث على التشاؤم، ويدفعنا لطرح عدة أسئلة والوقوف على العديد من التناقضات والنقائص. فواقع الإعلام العربي الموجه للطفل يستوقفنا عند المشاكل التالية: التدفق الغزير للمواد الإعلامية الأجنبية وهيمنتها على الحجم الإعلامي المقدم للطفل، وهذا يعني أن الإنتاج المحلي بعيد عن إمكانية المنافسة والتصدي للقوة والإمكانيات الهائلة، التي تتمتع بها الصناعات الثقافية الأميركية واليابانية والأوروبية.

وهذا يعني كذلك بلغة الأرقام، أن الدول العربية تستورد 80% من المادة الإعلامية التي تقدمها للطفل، و90% منها تأتي من الولايات المتحدة الأميركية. كما تستورد الدول العربية ما يزيد على 45 ألف ساعة تلفزيونية سنوياً، معظمها برامج للأطفال.

ويستوقفنا موضوع الكم هنا، للكلام عن الكيف وعن المحتوى والقيم التي تُقدم عبر هذه المواد. المواد الإعلامية المستوردة بطبيعة الحال أنتجت لمجتمعاتها ولأطفالها، وأنتجت حسب معطيات معينة وأهداف معينة، قد تختلف تماماً بل تتناقض والقيم والأخلاق والعادات العربية الإسلامية.

وقضية الكيف هذه أو القيم، أدت بالطفل العربي لأن تخزن في ذاكرته وخياله أسماء وقيم وعادات غذائية واستهلاكية لا صلة لها بالمحيط الذي يعيش فيه. فبالنسبة للمواد الإعلامية الأميركية الموجهة للطفل، أكدت معظم الدراسات أن نسبة كبيرة منها تحتوي على العنف وعلى قيم المادية والفردية والاستهلاك... الخ.

كما أكدت الدراسات الإعلامية أن أفلام الأطفال تعتمد على شخصيات تثير خيال الطفل، كالشخصيات الأسطورية والأبطال الرياضيين، ما يسهم في انفصال الطفل عن الواقع، مما يؤدي إلى تفجير طاقات التوتر والعنف.

ويجرنا هذا للكلام عن النقص الكبير في الإمكانيات البشرية والمادية، وضعف الموازنات التي تخصص لإنتاج المواد الإعلامية الموجهة للأطفال. وكذلك نقص الدراسات والأبحاث والبيانات المتعلقة بالطفل العربي، حيث إن وسائل الإعلام المختلفة لا تعرف ما هي الاحتياجات الحقيقية للطفل العربي، وماذا يجب أن نقدم له؟ وكيف؟ وفي أي صورة؟

فالاستطلاعات والدراسات الميدانية المتعلقة بالطفل وباحتياجاته في مجال الاستهلاك الإعلامي، محدودة جداً وتكاد تنعدم، وهذا يعني أن الحجم القليل من المادة المحلية التي تقدم للطفل العربي، ليس مبنياً على أسس علمية.

انعدام التنسيق والتعاون في معظم الدول العربية بين الوزارات والهيئات والمؤسسات الإعلامية، في ما يخص إنتاج المواد الإعلامية الموجهة للطفل، وتخلي القطاع العام وانسحابه تماماً في معظم الدول العربية، من عملية دعم ورعاية الصناعات الثقافية الموجهة للطفل، أما استثمارات القطاع الخاص في هذا المجال فإنها لا تكاد تذكر.

إن الوقوف عند بعض المواد الإعلامية الموجهة للطفل العربي والمصنوعة في الدول العربية، يوضح أن محتوى هذه المواد ضعيف ولا يأخذ بعين الاعتبار خصائص وقدرات الطفل العقلية والفكرية، كما أن الكثير منها يعتمد التقليد الأعمى للمنتج الغربي، ولا يتبنى القيم والمبادئ والتراث العربي الإسلامي، ولا أهداف التنمية والتطور في الدول العربية.

ومن المشاكل الكثيرة التي تترتب على استهلاك الأطفال للمواد الإعلامية طريقة وكيفية التعرض، حيث نلاحظ أن الطفل منذ صغره لا نعلمه عادة القراءة والتعود على استهلاك المطبوع، وهذا خطير جداً لأن اكتساب هذه العادة عند بلوغ سن المراهقة أو الرشد يصبح أصعب، كذلك فإن استهلاك الطفل للمادة الإعلامية الموجهة للكبار، يشكل خطورة كبيرة على الطفل.

حيث يعرضه لمشاهد العنف والجريمة ومشاهد أخرى كثيرة قد تؤثر سلباً في شخصيته. ومن أبرز المشاكل التي يعاني منها الطفل لدى استهلاكه للمادة الإعلامية، عدم إشراف الأهل عليه، ففي معظم الأوقات يشاهد الطفل التلفزيون بنفسه دون مراقبة أو توجيه.

وهذا يعني أن بإمكانه أن يشاهد ما يشاء ويفسر ويفهم المادة التي يتعرض إليها كما يشاء. ونلاحظ كذلك أن نسبة كبيرة من الأطفال في وطننا العربي تسهر حتى وقت متأخر من الليل، ما يعني أن ساعات التعرض للتلفزيون قد تصل إلى سبع ساعات وأكثر في اليوم.

وهذا قد يكون على حساب القراءة والمطالعة والقيام بالواجبات ومراجعة الدروس. وقد أكدت الدراسات الإعلامية أن التحصيل المدرسي يكون ضعيفاً عند الأطفال الذين يشاهدون التلفزيون بنسبة كبيرة ودون مراقبة وتوجيه. ومن المواد الإعلامية التي يستهلكها الطفل، الإعلان الذي يعتبر من الموارد المالية الرئيسية للمؤسسات الإعلامية.

كما يعتبر الطريق الأسرع والأنجع للوصول إلى الطفل وتحديد سلوكه الاستهلاكي. وإشكالية الإعلان هنا تحتوي على شقين؛ الأول يتمثل في استعمال الطفل في الإعلانات، والشق الثاني هو الإعلانات التي توجه للطفل دون مراعاة صحته وضرورة حمايته، وهل هنالك اعتبارات أخلاقية لهذه الإعلانات، سواء تلك التي توجه للطفل أو تلك التي تستعمل الطفل وتوجه إليه كذلك؟

إن نسبة لا يستهان بها من الإعلانات توجه للطفل وتستعمل الطفل، وفي معظم الدول العربية لا يوجد ميثاق شرف يقنن الإعلان ولا استعمال الطفل في الإعلان. والأمر هنا خطير، حيث إن الانعكاسات تكون ذات تأثيرات سلبية مزدوجة. أضف إلى ذلك أن الأطفال يقبلون بصفة كبيرة على الإعلانات، خاصة تلك الموجهة إليهم والتي تستعمل الطفل كشخصية رئيسية فيها، وخطورة هذه الإعلانات تكمن في أنها إعلانات لشركات متعددة الجنسيات ولمنتجات قد ينجر عنها الكثير من المشاكل التي تتعلق بغرس أنماط وعادات استهلاكية غريبة عن الطفل العربي.

 

Email