إسرائيل منشأ الإرهاب والمستفيد الأول منه

ت + ت - الحجم الطبيعي

ثمة عمليات تضليل ترافق العملية الإرهابية التي استهدفت يوم الأحد الماضي، الخامس من هذا الشهر، موقعاً لحرس الحدود المصري، وأدت إلى مقتل ستة عشر جندياً وضابطا. البعض اعتبرها الاختبار القاسي الأول للرئيس محمد مرسي، الذي رشحته جماعة الإخوان المسلمين.

وفي الحقيقة فإن سيناء وبسبب قيود كامب ديفيد تشكل مسرحاً مستباحاً لأجهزة المخابرات، والجماعات الإرهابية، وجماعات الاتجار بالسلاح وتهريبه، وربما كانت المخابرات الإسرائيلية الأكثر نشاطاً بينها.

خلال مرحلة ما قبل الثورة المصرية كانت سيناء مصدر معظم العمليات الإرهابية التي استهدفت منتجعات وفنادق، وزواراً أجانب وإسرائيليين، أما بعد الثورة فكانت خطوط إمداد إسرائيل والأردن بالغاز المصري، هدفاً لنحو خمس عشرة عملية، استهدفت تفجيره.

هذا الاختبار قوبل بردود حاسمة، حيث أمر مرسي القوات المسلحة المصرية باستخدام القوة بما في ذلك الطيران، لقصف مواقع الجماعات الإرهابية، مما أسفر عن مقتل عشرين منهم، بالإضافة إلى قراره بإقالة محافظ شمال سيناء ومدير المخابرات فيها.

لم يقف رد الرئيس مرسي على هذه العملية عند هذه الحدود، بل إنه كان قد أخذ قراراً بإغلاق معبر رفح البري مع الفلسطينيين لأجل غير مسمى، فيما قامت قوات الأمن المركزي بالانتشار وتشديد قبضتها في منطقة الأنفاق التي تعد الشريان الأساسي الذي يغذي قطاع غزة بمعظم احتياجاته المعيشية، ويقال إن ثمة قرار بتدمير هذه الأنفاق.

لم تعترض إسرائيل على تدخل سلاح الجو المصري الممنوع عملياً حسب كامب ديفيد، ذلك أنها تعمدت إحراج الرئيس والجيش المصري بالحديث عن الفوضى الأمنية التي تشهدها سيناء، وأبدت رغبتها واستعدادها لتعزيز التنسيق مع مصر من أجل ضبط الأمن، فيما أبدت واشنطن هي الأخرى استعدادها لتقديم المساعدة في ذات الوجهة.

في الواقع لم تشأ إسرائيل، تصعيد ضغوطها على الرئيس مرسي والجيش المصري، خصوصاً وأن جماعة الإخوان المسلمين كانت قد أصدرت بياناً اتهمت فيه الموساد بارتكاب الجريمة، ودعت إلى مراجعة اتفاقية كامب ديفيد. البعض راهن على تأجيج التناقض بين الرئيس مرسي والمجلس الأعلى للقوات المسلحة، لكن مثل هذا التناقض لم يظهر.

وتمضي عمليات التضليل الإسرائيلية المنشأ والدوافع، إلى اتهام الفلسطينيين في قطاع غزة بارتكاب الجريمة، فبالإضافة إلى ما أشيع عن قصف بالهاون من قطاع غزة على معبر كرم أبو سالم، على الحدود المصرية ـ الإسرائيلية مع قطاع غزة، وهو موقع الجريمة، وقد جاء متزامناً مع العملية، فإن إسرائيل تدعي أنها تلقت إشارات مسبقة بوجود نوايا لدى بعض الجماعات في غزة للقيام بالعملية.

الادعاء الإسرائيلي يشير بأصابع الاتهام إلى فصائل المقاومة في غزة، لكن السلوك الإسرائيلي يفضح مثل هذا الادعاء، ذلك أنه في حال توفر مثل هذه المعلومات فإن إسرائيل كانت دائماً تبادر إلى عمليات استباقية لإفشال العملية قبل وقوعها، خاصةً وأن المصادر الإسرائيلية تحدثت عن أن العملية الإرهابية كانت تستهدف اختراق الحدود المصرية ـ الإسرائيلية، وقتل عدد كبير من الجنود الإسرائيليين.

الفلسطينيون في قطاع غزة قد تلقوا رد الفعل الغاضب الأول من قبل السلطات المصرية، وهو رد فعل قاس جداً يطال حياة الناس بالدرجة الأساسية، لقد كان الفلسطينيون على وعد بانفراجات واسعة في العلاقة بين القطاع ومصر، خصوصاً وأن حركة حماس التي تسيطر على القطاع، هي الفرع الفلسطيني لجماعة الإخوان المسلمين، التي تم انتخاب مرشحها رئيساً لمصر، والتي تحظى بتأثير واسع في الحياة السياسية المصرية خلال مرحلة ما بعد الثورة.

هذا يعني أن الفلسطينيين ليسوا أصحاب مصلحة في توتير العلاقة مع مصر، بل إنهم معنيون أكثر بتحسين هذه العلاقة والتنسيق، بخلاف إسرائيل التي تسعى بكل طريقة لتأبيد الانقسام الفلسطيني ودفع القطاع باتجاه مصر والتهرب من مسؤولياتها كدولة احتلال عن قطاع غزة، والذي يمكنها من إفشال رؤية الدولتين.

إن النظرة الاستراتيجية الإسرائيلية لسيناء، كما وردت في رؤية أحد المسؤولين الأمنيين الإسرائيليين السابقين ايغور ايلاند، هي أنها المكان الذي سيتم فيه توسيع قطاع غزة لكي يستوعب الكثافة السكانية المتزايدة فيه، ولتوطين الفلسطينيين.

وفي الواقع فإن رؤية ايلاند لم تكن من إبداع بنات أفكاره، بل هي إحياء لمشروع قديم جرى طرحه في خمسينيات القرن الماضي وتم إفشاله في حينه من قبل سكان قطاع غزة ومصر.

يستدعي تنفيذ هذا المخطط الإسرائيلي إبقاء سيناء في حالة فوضى أمنية، تبرر لإسرائيل في مرحلة من المراحل تحضيرها ميدانياً، كما يستدعي أيضاً تشديد الضغوط على القطاع حتى لا يجد له مخرجاً إلا الانفتاح أكثر فأكثر على مصر التي تعيش حالة من الاستقطاب، تجر على حركة حماس ما تجره من تحريض على حكم الإخوان في مصر.

هكذا فإن إسرائيل هي صاحبة المصلحة الأساسية في ارتكاب الجريمة بحق الجنود المصريين وهي لا تقدم الوسيلة حتى بتوريط بعض عملائها، فلسطينيين كانوا أم غير فلسطينيين، وبما يدخل قطاع غزة في عمق تناقضات الوضع المصري، بكل ما ينطوي عليه من آفاق مفتوحة.

 

Email