اتجهت معظم التحليلات الخاصة بعملية مقتل 16 جندياً مصرياً في شمال سيناء الأسبوع الماضي إلى أن من قام بها جماعات تكفيرية، غير معروفة الجنسية. وهناك توقعات بأن يكون هؤلاء منتمين إلى تنظيم القاعدة خاصة، فعلى الرغم من أن القاعدة لم يعلن مسؤوليته عن العملية، وعلى الرغم أيضاً من أن التنظيمات الجهادية في سيناء لم يعلن أي منها انتماءه إلى القاعدة، إلا أن أسلوب تنفيذ العملية والهدف منها والعمليات التي تقوم بها هذه الجماعات الجهادية في سيناء يوضح أنها عمليات تتشابه مع عمليات القاعدة في مناطق تواجدها مثل اليمن والصومال وأخيراً مالي. وهناك آراء قالت إن التنظيم أصبح متواجداً فى سيناء بكثافة منذ أحداث ثورة 25 يناير وما شهدته من صراع كبير بين المواطنين وأجهزة الأمن المصرية وما حدث من حصار لأقسام الشرطة وخطف لضباط في الداخلية، وقد استغل التنظيم هذه الأحداث ووجد لنفسه موطئ قدم في شبه جزيرة سيناء.

فسيناء ومنذ السنوات الأخيرة لحكم حسني مبارك، كانت تعتبر من المناطق التي يمكن التعامل معها باعتبارها بيئة حاضنة لتنظيم القاعدة، بسبب ما تشهده من صراع بين الدولة المركزية في القاهرة والبدو الذين يعيشون فيها بما أدى إلى فوضى، وهو صراع جاء على خلفية سوء أوضاع سكان المنطقة وتغافل السلطة المركزية عن تلبية مطالبهم وهي مطالب تتمثل في تفعيل القوانين الخاصة بالمواطنة إزاءهم وعدم التعامل معهم باعتبارهم غرباء عن مصر، وإنما يمكن أن نضيف أسباباً أخرى تتعلق بالموقع الاستراتيجي المهم لسيناء في إطار تحولات استراتيجيات القاعدة على الصعيد العسكري.

فمن جهة فإن سيناء تتميز بالطبيعة الطبوغرافية الصحراوية، حيث الجبال والوديان والكهوف، وهي الطبيعة التي تسهل عمليات الاختفاء والهروب وشن حروب العصابات، فيما يناسب القاعدة بصورة واضحة ويشبه المناطق التي سبق لها أن احتضنت أنشطتها في السابق، كجبال تورا بورا في آسيا الوسطى. ومن جهة ثانية فإنها مناسبة تماماً لتنفيذ استراتيجية جديدة للقاعدة بدأتها في السنتين الأخيرتين.

والتواجد في شبه جزيرة سيناء بالنسبة لتنظيم القاعدة أو أي جماعة جهادية مرتبطة به أمر منطقي، فمن جهة هناك حالة عدم الاستقرار الأمني والطبيعة الجغرافية للمنطقة، ومن جهة ثانية هناك أسباب أخرى يمكن أن تدخل ضمن أهداف التنظيم واستراتيجيته للمرحلة الراهنة، فالقاعدة يعمل حالياً في مناطق إما تطل على البحر الأحمر أو يمكنها أن تؤثر على حركة الملاحة فيه، ويعتقد أن ذلك يأتي بسبب الأهمية الاستراتيجية والاقتصادية لهذا الشريان الملاحي الدولي، خاصة في ظل استمرار اعتماد الاقتصاد الغربي على النفط الذي يأتي عبر هذا الشريان.

ومن جهة ثالثة فإن شبه جزيرة سيناء تعد منطقة قريبة من إسرائيل وبالتالي يمكن القيام عبرها بعمليات ضد إسرائيل، ولكي يتم ذلك يجب أن يكون هناك تنسيق بين المنظمة الجهادية المتواجدة في سيناء وشبيهات لها في الأراضي الفلسطينية سواء الخاضعة للحكم الذاتي الفلسطيني أم تلك التي مازالت تحت سيطرة إسرائيل.

وتجدر الإشارة إلى إن هناك تقارير متعددة بعضها صدر عن إسرائيل، والبعض الآخر عن الولايات المتحدة الأميركية، أكدت وجود نشاط لتنظيم القاعدة في شبه جزيرة سيناء، بل أن وسائل الإعلام قالت ان وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون قدمت لرئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة سابقاً المشير حسين طنطاوي خرائط بأماكن انتشار عناصر التنظيم في سيناء، لكن لم يتم اتخاذ إجراءات بشأنهم، فيما يؤكد أن مواجهتهم في المنطقة أمر من الصعوبة بمكان بسبب الطبيعة الطبوغرافية، وأيضاً بسبب طبيعة التسليح المتاح أمام قوات الجيش المصري في سيناء وبسبب العقيدة العسكرية للقوات المسلحة المصرية.

وهذا الأمر يجعل من مواجهة التنظيم في سيناء امراً غاية في الصعوبة، ليس فقط لكثرة عدد عناصره، حيث صرح عضو سابق في جماعة الجهاد المصرية وهي العباءة التي خرج منها تنظيم القاعدة، أن هناك 500 عنصر من عناصر القاعدة جاءوا من أفغانستان والتحقوا بصفوفه في سيناء، وليس أيضاً بسبب الطبيعة الجغرافية للمنطقة، وإنما الأكثر أهمية هو أن المواجهة تتطلب درجة كبيرة من التعاون والتنسيق بين عدة جهات منها مصر وإسرائيل، وهذا الأمر أصبح من الصعوبة بمكان في الوقت الراهن بسبب طبيعة وتوجهات العملية السياسية في مصر في الوقت الراهن. فأي تعاون مع إسرائيل سيحرج الرئيس محمد مرسي مع قاعدته الشعبية، ويمكن أن يؤثر سلباً على حركة حماس، أو يخصم منها لدى قطاعات جماهيرية فلسطينية.

والمشكلة التي يجب أن يعيها الجانب المصري، هي انه إذا لم يستطع في وقت قريب تطهير سيناء من القاعدة، فإن الدخول في الحالة اليمنية ليس بعيداً، وهو الأمر الذي قد يستدعى تدخلاً خارجياً وان كان غير معلن مثلما يحدث حالياً في اليمن والصومال. وهذا الأمر يدركه جيداً الجانب المصري. فهو يدرك صعوبة المواجهة من الناحية اللوجستية، ويدرك حساسية التنسيق مع قوى خارجية، وبالتالي أبدع أسلوبه الخاص المتمثل في السير في ثلاثة محاور الأول هو المواجهة العسكرية وتمشيط المنطقة بهدف الكشف عن عناصر التنظيم خاصة مرتكبي جريمة الأسبوع الماضي، والثاني التعاون مع شيوخ القبائل الذين يعرفون طبيعة المنطقة بشرياً وجغرافياً، وثالثاً القيام بعمليات تنمية للمنطقة لصالح أهل سيناء، لكي يحصلوا على حقوقهم كمواطنين، على عكس ما كان عليه الوضع سابقاً. وهذا المزج بين المحاور الثلاثة يمثل أسلوباً جديداً في مواجهة القاعدة.