المرجح أن تحقق العملية نسر التي تنفذها القوات المسلحة المصرية، أهدافها في تطهير سيناء من تنظيم القاعدة.
فهي تتوفر لها مقومات النجاح، ليس فقط لأنها تنفذ بواسطة أجهزة ومعدات عسكرية متطورة، ولكن لأنها تقوم على عدة محاور منها العسكري وغير العسكري، مثل التعاون مع شيوخ القبائل السيناوية، واعتماد مبالغ وخطط لتنمية سيناء، بعد الاستبعاد والتهميش اللذين عانت منهما عدة عقود، ومثل قيام مشايخ السلفية في مصر بالدعوة في سيناء ضد الأفكار التكفيرية، وهي حزمة إجراءات متداخلة ومتكاملة تهدف إلى إبعاد الفكر السلفي الجهادي عن سيناء، حتى وإن حل محله فكر سلفي علمي غير جهادي لا يلجأ إلى العنف.
ولكن انتهاء العملية على هذه الصورة ستترتب عليه جملة تفاعلات على أصعدة متعددة، منها ما يتعلق بالعلاقات بين مصر وإسرائيل، وبالتالي علاقات مصر بالولايات المتحدة الأميركية، أي أن منظومة العلاقات الإقليمية لمصر يمكن أن تحدث فيها بعض التعديلات أو التفاعلات.
ومن المناسب أن تطرح تساؤلات حول طبيعة العلاقة بين مصر وإسرائيل في مرحلة ما بعد هذه العملية، فهناك تصور يرى أن مصر سوف تطالب إسرائيل بالتفاوض حول الاتفاقات الأمنية الملحقة باتفاقية كامب ديفيد، والتي تتضمن عديد القوات العسكرية الموجودة في سيناء، وطبيعة ونوعية الأسلحة التي في حوزتها.
وبالطبع فإن الطلب المصري له مبرراته، وفى مقدمتها ضمان عدم تكرار العمليات العسكرية التي تنفذ في سيناء من قبل المنظمات الإرهابية، فهل يمكن أن تقبل إسرائيل بذلك؟ الإجابة أصبحت صعبة جداً في ظل معطيات متعددة، وأحد مؤشراتها أن الرئيس المصري السابق الذي كان يعتبره الإسرائيليون كنزاً استراتيجياً لهم، لم يطلب هذا الطلب رغم أن تنظيم القاعدة والتنظيمات الجهادية التكفيرية بدأت في التواجد في سيناء في السنتين الأخيرتين من حكمه.
وهو ما يعني أن تقدم رئيس تناصبه إسرائيل العداء أو تعتبره معادياً لها، بمثل هذا الطلب ستكون إجابته بالنفي.
ولكن هناك من يرى أن إسرائيل يمكن أن تتفاوض مع مصر على الاتفاقية الأمنية، لأنها بذلك سوف تكسب نقطة في مواجهة الرئيس مرسي وتنظيم الإخوان المسلمين. فهذا التنظيم يطالب منذ عشرات السنين بإلغاء معاهدة كامب ديفيد، وتفاوضه على أحد بنودها مهما كانت نتيجة التفاوض، سيعني اعترافه علنياً بها.
وإسرائيل تدرك أنها بانتخاب مرسي دخلت في مرحلة أقل من السلام البارد، الذي كانت تتصف به علاقاتها بمصر معظم الوقت خلال حكم حسني مبارك، وهي تدرك أن علاقاتها بمصر أصبحت الآن مسؤولية الأجهزة الأمنية، خاصة المخابرات العامة وباقي أجهزة الأمن القومي، وأنها تتم حالياً عبر وسطاء أميركيين أو غيرهم، والتفاوض حول المعاهدة يمكن أن يكون فرصة لتعديل شكل العلاقة مع مصر، وهي ليست ضد أن تعطي الرئيس الإخواني نقطة تتمثل في تعديل بعض البنود، مقابل أن يعترف ضمنياً بالمعاهدة، وأن يجلس مفاوضوه مع مفاوضين إسرائيليين، خاصة وأنها تدرك أن خطر الإسلام الجهادي في سيناء موجه لها وليس للقوات المصرية.
وإذا كانت هذه هي النتائج الإقليمية التي ستعقب العملية نسر، فإن هناك نتائج أخرى داخلية ستترتب عليها في مصر.
وأولها سيكون تعديل وضع المؤسسة العسكرية في النظام السياسي المصري، فمعظم المحللين رأوا أن أحد الأسباب الرئيسية لعملية كرم أبو سالم التي راح ضحيتها 16 جندياً مصرياً، هو أن المؤسسة العسكرية تركت مهمتها الأصلية في حماية الحدود، ثم جاءت التغييرات التي شهدتها المؤسسة العسكرية المصرية، لتصب في النهاية في نتيجة واضحة، وهي أنها سوف تتفرغ في المرحلة المقبلة لمهمتها الأصلية وهي حماية الحدود.
وهو ما يعني أن البنية الأساسية السابقة للدولة في مصر، آخذة في التراجع لصالح بنية أخرى مدنية حقيقية. وهذا الأمر ستكون له دلالات متعددة في المستقبل، على شكل الحكم وتوازنات القوى، وعلى مجمل اللعبة السياسية.
وهنا لا بد من الإشارة إلى أن النتائج الإقليمية لا تنفصل عن النتائج الداخلية، فعودة الجيش إلى القيام بدوره الأصلي تعني أن يعيد التفكير في قضايا كان مسكوتاً عنها في الماضي، مثل التسليح ومصادره ونوعيته، وذلك بديلاً عن التفكير في المشروعات الاقتصادية التي كانت محور اهتمام المؤسسة العسكرية في السنوات الماضية.
وهناك رؤى ترى أن دفع المؤسسة العسكرية إلى الاهتمام بالمشروعات الاقتصادية، كان غير منقطع الصلة بالعلاقات المصرية الإسرائيلية، وأن ذلك كان يهدف من الرئيس السابق إلى طمأنة إسرائيل على أن الجيش المصري لم يعد يهتم بقضايا الحرب في المطلق، فيما يعني في التحليل الأخير أن إسرائيل لن تكون مرتاحة للتوجه المصري الجديد، وهو ما يعني تداخل الإقليمي مع الداخلي في ما يتعلق بالعملية التي تنفذها القوات المسلحة المصرية في سيناء حالياً.
ومجمل القول إن العملية نسر التي تنفذها القوات المسلحة المصرية في سيناء حالياً تمثل علامة فارقة، ليس فقط على المستوى الداخلي المصري، وإنما أيضاً على المستوى الإقليمي، خاصة في ما يتعلق بالعلاقات المصرية الإسرائيلية، فهذه العلاقات بعد العملية لن تكون على الصورة نفسها التي كانت عليها قبلها.