الحاكم والمحكوم.. نموذج إماراتي

ت + ت - الحجم الطبيعي

كان هذا العام من المناسبات القليلة التي أتيحت لي فيها فرصة الاصطياف خارج الوطن، حيث قضيت بعض الوقت في بلد عربي بعيدا عن قيظ الصيف. تنقّلت بين عدد من المحطات، وفي كل محطة وجدت إماراتيين يستجمون ويستمتعون بإجازاتهم الصيفية بكل أريحية.

ومن خلال شبكة الإنترنت ومواقعها الإخبارية، أتيح لي الاطلاع على ما يدور في الوطن الذي أحمله بين جوارحي، كما يحمله إخواني أبناء الإمارات المخلصين في حلهم وترحالهم.

أتاحت لي شبكة الإنترنت الاطلاع اليومي على الصورة في الجانب الآخر حيث الوطن وشجونه وأخباره. والحقيقة أن مفارقة جميلة استوقفتني في تلك الصورة؛ ففي عز الصيف، حيث ينتشر الكثيرون من أبناء الوطن في منتجعات العالم شرقاً وغرباً بحثاً عن الأجواء المعتدلة وهرباً من القيظ، لم يكد يمر يوم إلا وتحدثت الصحف ووسائل الإعلام عن نشاط أو فعالية شارك فيها قادتنا وشيوخنا على أرض الإمارات.

كثيراً ما زخرت صحف الصيف بأخبار عن توجيهات وقرارات لصاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة حفظه الله، وأنشطة وفعاليات ومتابعات لنائبه رئيس مجلس الوزراء صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم رعاه الله، وأخرى للفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، ولمختلف قادة وشيوخ إماراتنا الحبيبة.

كنت أبدأ يومي كل صباح بإلقاء نظرة على أخبار الدار، فيتكرس المشهد الإماراتي نفسه في مخيلتي؛ ثمة قادة عظماء مرابطون في الميدان يتابعون شؤون البلاد والعباد لحظة بلحظة، بينما قسم كبير من أبناء شعبهم يتنزهون حول العالم، حاملين معهم طمأنينتهم وسعادتهم ورفاههم.

يمكنك العودة إلى الأرشيف الصحفي القريب لترى أنه لم يمر يوم من أيام الصيف، ومعه شهر رمضان المبارك، إلا وكان لقادتنا وشيوخنا أدامهم الله صولات هنا وجولات هناك؛ من تكريم لمتميزين في هذا الحقل، إلى زيارة حانية لهذه الفئة الاجتماعية أو تلك، إلى توقيع وثيقة لإطلاق مبادرة هنا أو هناك.. ولك أن تعدّ ما شئت من الفعاليات.

استوقفني الأمر حقاً، ودفعني للتأمل في بعض الدعوات الغريبة والخارجة عن السياق، التي تحاول أن تملي علينا نموذجاً مستورداً من العلاقة بين الحاكم والمحكوم. من قال لهم إننا غير سعداء - بل غير فخورين - بنموذجنا الإماراتي؟! من أوهمهم بأننا يمكن أن نتقبل مجرد التفكير في اجتلاب نماذجهم؟!

أعذرهم إن لم يفهموا كيمياء العلاقة الخاصة بين شعب الإمارات وقيادته، فمن النادر أن تجد لهذه العلاقة مثيلاً في عالم متخبط بكل أشكال التناقضات والاضطرابات. كما لن تجد في القواميس السياسية والاجتماعية، وصفاً يضاهي هذا النوع الفريد من التفاني والإيثار الذي يجترحه القائد الإماراتي ويمارسه قولاً وفعلاً.

ثمة علاقة من نوع خاص بين الحاكم والمحكوم في هذا البلد، علاقة أرساها قائد فذ يرى فيه الإماراتيون جميعاً أباً وملهماً لهم؛ إنه الراحل الكبير المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان.

حياته - رحمه الله - عبارة عن سيرة تفصيلية لمعاني الديمقراطية والشورى والأبواب المفتوحة والحكم الرشيد. أما علاقته بشعبه، ففيها من العفوية والتلقائية ما يفيض عن كل المعاني والدروس.

لذا، فمن يحاولون أن يقدموا لنا دروساً في العلاقة بين الحاكم والمحكوم، لا بد أنهم لم يتعمقوا في الاطلاع على سيرة أهل الإمارات.

وكل عام وأنتم بخير..

Email