جوهر أزمة أميركا مع العرب والمسلمين

ت + ت - الحجم الطبيعي

الاحتجاجات العارمة التي انطوى بعضها على عنف أدى إلى مقتل السفير الأميركي في بنغازي كريس ستيفنز، أوقعت لدى إدارة الرئيس باراك أوباما، قدراً من الارتباك والقلق إزاء التداعيات الراهنة والمقبلة للربيع العربي، الذي ساهمت الولايات المتحدة، بدور نشط في تحديد معالمه، ومخرجاته.

الوقت ليس مناسباً لكي تراجع الإدارة الأميركية سياساتها، ومراهناتها، وآليات تعاملها مع الربيع العربي، فالانتخابات الرئاسية على الأبواب، ولا مجال لاتخاذ قرارات ذات أبعاد استراتيجية، وفي كل الأحوال ربما كان من الأفضل أن لا تستعجل واشنطن اتخاذ مثل هذه القرارات طالما أن هناك فرصة لاستثمار هذه الاحتجاجات على نحو يعود بالفائدة على الولايات المتحدة، ويوفر للرئيس فرصة أفضل في سباقه مع الجمهوريين على مقعد الرئاسة.

وإذا كانت مصر الكبيرة هي الوجهة الأساسية في السياسة الأميركية إزاء الربيع العربي، ومستقبل المنطقة، فإن الرئيس أوباما، ووزيرة خارجيته هيلاري كلينتون، رفعا مستوى الضغط على الرئيس محمد مرسي وجماعة الإخوان المسلمين، حين وضع أوباما مصر أمام خيار، إما أن تكون عدوة، أو أن تكون صديقة، وهذا هو القصد من قوله بأن مصر ليست عدوة، وهي ليست صديقة، وفي خطوة عقابية لاحقة، أوقفت الإدارة المفاوضات بشأن المساعدات المالية، لمصر وكذا بالنسبة لإمكانية إعفائها من مليار دولار من ديونها.

يترتب على مصر إذاً أن تجيب على تحذيرات الرئيس أوباما ووزيرة خارجيته، لكي تثبت أنها دولة صديقة للولايات المتحدة، وأنها ليست لا دولة استبداد، ولا دولة غوغاء.

الرد الأولي جاء سريعاً من قبل حركة الإخوان المسلمين، حين تراجعت عن دعوتها لمليونية كانت ستتم الجمعة قبل المنصرمة، واكتفت باحتجاجات سلمية محدودة أمام مساجد في المحافظات المصرية، ولاحقاً حين برأ الأمين العام للإخوان الولايات المتحدة من المسؤولية عن الفيلم.

أما الرد العملي الآخر فجاء من قبل النظام، حيث بادرت قوى الأمن لتفريق المتظاهرين. في الواقع فإن مصدر الإرباك الذي تعبر عنه الإدارة الأميركية لا يتوقف على ردود الفعل الشعبية الغاضبة، التي حاصرت السفارة الأميركية في القاهرة، وإحراق العلم الأميركي، فقد سبق ذلك، زيارة الرئيس مرسي للصين، وهي زيارة غير مرضي عنها من قبل الإدارة الأميركية، ولحق بها، استقبال الرئيس مرسي للرئيس السوداني عمر البشير، الذي طالبت منظمة العفو الدولية باعتقاله، لكن مصر تجاهلت هذه المطالبة.

الاحتجاجات الشعبية في مصر تضع الإخوان المسلمين أمام اختبار قوي للسياسات التي اتبعوها. على جانب آخر، استثمرت الإدارة الأميركية الحدث الذي نجم عن إنتاج الفيلم المسيء، لصالح تعزيز تواجدها ودورها العسكري والأمني في عدد من الدول العربية، بدعوى أنها لا تثق بقدرة الأنظمة في هذه الدول على حماية بعثاتها الدبلوماسية ورعاياها، وبالتالي فإن عليها أن تقوم بذلك بنفسها.

ففي حين رفض السودان طلباً أميركياً بإرسال عدد من رجال المارينز، لحماية السفارة الأميركية في الخرطوم، فإن اليمن وليبيا، لم تعترضا على ذلك. وأمر الرئيس أوباما بإرسال مدمرتين إلى سواحل بنغازي، وطائرة تجسس بالإضافة إلى قوات من المارينز.

في الواقع فإن مهمات هذه الفرق والتجهيزات العسكرية والأمنية لن تقف عند حدود تأمين سلامة السفارات والقنصليات الأميركية، وطواقمها، بل إنها تتعدى ذلك إلى لعب دور أكبر بذريعة ملاحقة القاعدة في اليمن، وفي ليبيا لملاحقة القاعدة، وجماعات القذافي.

لا تجد الإدارة الأميركية نفسها مضطرة لتفحص ومراجعة الأسباب الحقيقية التي تقف وراء توسع نطاق الاحتجاجات الشعبية التي عمت الدول العربية والإسلامية وعدداً من العواصم الغربية، والإدانات التي صدرت عن الجهات الرسمية في معظم الدول العربية والإسلامية، للفيلم ومخرجه ومنتجه.

وصانع القرار الأميركي غير مستعد للنظر في مسؤولية الولايات المتحدة عن انفجار ثورة الغضب الإسلامي والتي تقود إلى أمرين أساسين، الأول وهو أن ثورة الغضب الإسلامي تشير إلى مدى عمق العداء للسياسات الأميركية التي تتسم بجوهر استعماري، بما في ذلك ما تنطوي عليه هذه السياسة من دعم للإرهاب والعدوان الإسرائيلي.

لقد اتسمت سياسة الولايات المتحدة تجاه شعوب دول العالم بالفوقية والاستحواذ، والهيمنة، والحرص على المصالح الذاتية، الأمر الذي يؤدي إلى إفقار الشعوب، واحتجاز تطورها.

أما السبب الثاني فيعود إلى مرحلة الرئيس السابق جورج بوش الابن، الذي على خلفية أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، أعلن حربه على الإرهاب، وضخ لدى الشعب الأميركي وشعوب العالم ثقافة تحريضية على الإسلام والمسلمين، الذين لم تتورع إدارته عن إلصاق تهمة الإرهاب بهم، الأمر الذي يولد ردود فعل غاضبة لدى مئات ملايين المسلمين.

لقد ولد هذا مناخاً، أدى عملياً إلى تزايد الممارسات المسيئة للرسول، صلى الله عليه وسلم، والإسلام والمسلمين، الأمر الذي لا يطيق معه المسلمون التماس العذر للديمقراطية الغربية التي تنتج سلوكيات قد لا ترضى عنها الأنظمة الحاكمة، والحال أن الولايات المتحدة قد تراجع سياساتها التكتيكية بما يحمي مصالحها، لكنها غير مستعدة لمراجعة استراتيجياتها وطرق تعاملها مع الآخرين، بما يؤدي إلى تغيير مناخات العداء الشعبي.

 

Email