الفرانكوفونية والمنافسة غير المتكافئة

ت + ت - الحجم الطبيعي

انتهت القمة ال14 للمنظمة الدولية للفرانكوفونية في عاصمة جمهورية الكونغو الديمقراطية كينشاسا وفرنسا تلاحظ أكثر من أي وقت مضى و يوما بعد يوم تدهور نفوذها اللغوي والثقافي لصالح الولايات المتحدة الأميركية و لصالح اللغة الإنجليزية. فبالنسبة لفرنسا تعتبر قمم الفرانكوفونية ردا للاعتبار و محاولة فتح المنظمة على الجوانب السياسية و الاقتصادية حتى تصبح أكثر فعالية.

و تستطيع أن تفرض نفسها على الصعيد الدولي. لقد حاصرت لغة شكسبير لغة فولتر في عقر دارها حيث أصبح العلماء و الباحثون الفرنسيون ينشرون في مجلات علمية تصدر بالإنجليزية لا لشيء إلا لأن النشر في غير هذه المجلات الإنجليزية لا يعني شيئا من الناحية العلمية حيث عدم الانتشار و عدم الإقبال على ما هو مكتوب بغير اللغة الإنجليزية.

اللغوي. لقد عانت فرنسا الكثير مع حصار اللغة الإنجليزية لها وبذل الوزير السابق للثقافة والسياسي المحنك جاك لانج قصارى جهوده لحماية اللغة الفرنسية و هذا بإصدار قوانين و تشريعات تمنع منعا باتا استعمال الكلمات الإنجليزية التي طغت على الشارع الفرنسي. كما قامت فرنسا في العديد من المرات بإصدار قوانين و تشريعات للوسائل الإعلامية المختلفة و خاصة الإلكترونية بالالتزام بنسبة لا تقل على 60% من الإنتاج الثقافي الفرنسي سواء كان هذا الإنتاج أغان أم أفلام أم دراما أم غير ذلك. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو هل تستطيع القوانين و التشريعات أن تقف أمام العولمة والمد الثقافي الأميركي الجارف والمستمر؟

تشير الإحصائيات الأخيرة إلى أن اللغة الفرنسية تحتل المرتبة التاسعة عالميا وراء كل من اللغة الإنجليزية التي تأتي في المرتبة الأولى و الأسبانية والعربية ثم البرتغالية...الخ.و منذ أن فقدت الفرنسية مستعمراتها في الستينات خاصة في إفريقيا لم تستطع أن توقف التراجع المذهل التي منيت به خاصة و أنها على الصعيد التكنولوجي و العلمي لم تستطع أن تنافس المد الأنجلوساكسوني بقيادة الولايات المتحدة الأميركية.

فقوة اللغة يحددها عاملان اثنان التفوق التكنولوجي (الجامعات، مراكز البحث العلمي، و انتشار وسائل الإعلام والصناعات الثقافية والإعلامية) أما العامل الثاني فيتمثل في النفوذ الاقتصادي والسياسي.فكثير من المستعمرات الفرنسية توجهت نحو العالم الأنجلوساكسوني و نحو المساعدات الأميركية للبحث عن التعاون التكنولوجي و العلمي مهملة أو متناسية فرنسا. و هكذا أخذت أميركا نصيبا لا يستهان به من النفوذ الفرنسي و بسطت ثقافتها و صناعاتها على الكثير من الدول النامية و الحديثة الاستقلال.

والعامل الثاني الذي ساعد الأميركان في الانتشار في المستعمرات الفرنسية السابقة و في غيرها هو التبادل و التعاون في إطار التعليم العالي و البحث العلمي، حيث إن العدد الهائل للجامعات و المعاهد العليا الأميركية ( أكثر من 10000) و كذلك مراكز البحوث و الدراسات الإستشرافية و الإستراتيجية أستقطب الكثير من النخبة المثقفة و غيرها من المفكرين والباحثين و العلماء و الطلاب الذين كانوا إلى وقت قريب يقدسون فرنسا والفرانكوفونية لكنهم باكتشافهم العالم الجديد أكتشفوا قوة الإنجليزية كلغة العصر و لغة البحث العلمي وأدركوا حدود اللغة الفرنسية.

و هذا الجيل الجديد من "الأنجلوفون" أصبح يروج لثقافة العم سام و لغته، وأصبح يتقرب أكثر فأكثر من الثقافة الأميركية و التفكير الأميركي و الرؤية الأميركية خاصة جيل خريجي الجامعات الأميركية الذي قضى سنين طوال في المجتمع الأميركي ينهل من العلم وخبايا الثقافة الأميركية.فالنفوذ الأميركي و عالمية الثقافة الأميركية ( الأغاني، المنتجات الثقافية المختلفة، وسائل الإعلام، الأنترنت، صناعة المعلومات) و انتشارها في العالم أدى إلى تقلص الفرانكوفونية و فتح الباب على مصراعيه أمام النفوذ الأنجلوساكسوني. أ

ضف إلى ذلك أن بعض المستعمرات الفرنسية السابقة أخذت موقفا سلبيا من اللغة الفرنسية ومن الفرانكوفونية كمنظمة و كتجمع يجمع عدد من الدول يكون قاسمها المشترك اللغة الفرنسية.و هكذا تراجعت اللغة الفرنسية داخل المستعمرات الفرنسية السابقة سواء لصالح اللغة الأم أو لصالح اللغة الإنجليزية. و الغريب في الأمر أن من بين الدول التي تحضر قمم الفرانكوفونية نجد نسبة كبيرة من سكانها لا تتكلم الفرنسية على الإطلاق . و إذا أخذنا الفيتنام على وجه الخصوص نجد أن لكل طالب يدرس اللغة الفرنسية هنالك 30 طالبا يدرسون اللغة الإنجليزية .

و هذا يعني أن المنافسة بين الفرانكوفونية و الأنجلوفونية غير متكافئة و أن فرنسا بعيدة كل البعد عن استرجاع المجد و الفردوس المفقود.تراجع الفرانكوفونية على الصعيد العالمي يرجع إلى عدة أسباب منها خروج فرنسا من مستعمراتها و عدم قدرتها على المحافظة على علاقات سليمة ومتكافئة معها، الاقتصاد العالمي أصبحت تسيطر عليه شركات متعددة الجنسية وقوى فاعلة تتعامل باللغة الإنجليزية في الأوساط التجارية العالمية .

و في البورصات و المحافل الدولية. لغة الاقتصاد والسياسة في العالم أصبحت اللغة الإنجليزية بدون منازع، و من يملك التكنولوجية والاقتصاد والنفوذ السياسي يملك اللغة التي تفرض نفسها على العالم. فإرساء قواعد الفرانكوفونية تحت مظلة المنظمة العالمية للفرانكوفونية بزعامة فرنسا و عضوية 56 دولة و19 دولة كعضو ملاحظ يعتبر نجاح على المستوى المؤسساتي و التنظيمي.

 

Email