بأي حال عدت يا عيد ؟

يشرق علينا العيد الكبير هذا العام ببشارة خير و إشارة ضوء ، إذ تشرق شمسه متعانقة مع شروق شمس يوم الجمعة، أحب الأيام إلى الله والعيد الأسبوعي للمسلمين، وباعثة بأكثر من كشاف ضوء في طريق أمتنا العربية والأسلامية تبديدا للظلمة، وهداية للمسار، انطلاقا من المثل العليا وتوجها إلى الأهداف الكبري لنضال شعوبنا نحو التوحيد والوحدة، والأمن والسلام، والعدل والحرية، والتقدم والنماء.

يشرق علينا العيد، وأمتنا أحوج ما تكون إلى استلهام كل القيم السماوية النبيلة التي حملتها الرسالات السماوية العظيمة وخاتمتها رسالة الإسلام الخالدة، لكي تستعيد ذاتها ووحدتها ونهضتها، حتى تستطيع مواجهة كل التحديات الأمنية والسياسية والاقتصادية التي تواجهها، وإجهاض كل المؤامرات الشريرة التي تستهدف تقسيمها وإضعافها لإخضاعها لمشروعاتها الاستعمارية والصهيونية الشريرة .

إذ نستقبل العيد بينما أمتنا في قلب المؤامرة الكبرى التي تهدد أمنها واستقلالها ووحدتها من بوابات الفتن المذهبية والعرقية والسياسية والمؤامرات الشيطانية، إذ استمر نزيف الدماء بمايكفي في الاقتتال الأهلي الآثم في سوريا، وإذ تعصف مؤامرات الاجرام والفتنة بلبنان وتهدد سلمه الأهلي.

وعصابات الجيش الصهيوني تقتحم المسجد الأقصى وتواصل عدوانها على غزة وتهديداتها للبنان وسوريا، وإرهاب التطرف المجنون في سيناء يهدد الأمن المصري، وتوابع الاقتتال الأهلي في ليبيا لم تنته بعد، بما يدعونا جميعا لوقفة جادة مع النفس للمراجعة وتحكيم العقل !

و إذا كان حقن دماء المسلمين هو الأولى والأكثر إلحاحا الآن خصوصا في سوريا، فإن دعوة الأخضر الإبراهيمي للأطراف المتقاتلة في سوريا لهدنة مؤقتة بوقف إطلاق النار ووقف الاقتتال الآثم في ايام العيد لكسر حلقة العنف الجهنمية، ومنح الأطراف فرصة لمراجعة النفس، بما قد يفتح الطريق للحوار بالأفكار بديلا عن الحوار بالنار، ولإطفاء الحريق بالماء وليس بالدماء، تبدو دعوة نبيلة تستحق الاحترام والتأييد، باعتبارها هدية العيد الإبراهيمية اتساقا مع القيم الإسلامية لهذه الأمة.

ومن هنا تجاوبت باهتمام مصر وإيران وتركيا والعراق والأردن ولبنان إقليميا، وروسيا والصين دوليا لهذه المبادرة الخيرة، ووجهت نداءات للطرفين المتقاتلين للاستجابة لدعوة المبعوث الأممي والعربي، وفي حين تجاوبت القيادة السورية مع هذه المبادرة المعقولة، بدا تجاوب بعض أطراف المعارضة المسلحة ضعيفا، إذ نسب لبعض المتحدثين باسمها بغير مسئولية أنها "لن تلتزم بهذه الهدنة حتى لو التزم الجيش السوري بها " بما لايبعث على التفاؤل ، بل يبعث على الأسف !!

ولأن التجاوب العربي والإسلامي كان غلابا لحقن الدماء،بينما المخطط الاستعماري الصهيوني يريد تبديد أجواء التفاؤل الإقليمي بإطفاء الحريق السوري، ويصر على استمرار اشتعال الحريق العربي، ولأن جراب الحاوي لايخلو من الأفاعي، فوجئنا بوقوع الجريمة الإرهابية الصادمة في لبنان باغتيال القيادة الأمنية المعروفة العميد وسام الحسن التي كشفت 35 خلية تجسس صهيونية، فيما بدا محاولة لإشعال حريق لبناني، وحريق لبناني سوري بدلا من إطفاء الحريق السوري !

وبهذا يحاولون زرع الفتنة بين العرب والعرب وبين المسلمين والمسلمين وبين العرب والفرس، وبين الأتراك والإيرانيين، وبهذا يسعى أعداء العرب والمسلمين إلى شغلهم بمواجهة أنفسهم بدلا من مواجهة عدوهم، وذلك بتحويل الصراع السياسى إلى صراع مذهبى بائس بالتآمر وبالدسائس وبترويج الشائعات وبالشحن الطائفى ليحترق فيه كل العرب وكل المسلمين، وليمر تحت ساتر من دخان الحريق " المشروع الاستعمارى الخبيث للشرق الأوسط "على أشلاء محترقة عربية ، فلسطينية أو سورية عراقية أو لبنانية، لا فرق، مسلمة شيعية كانت أم سنية ..لا فرق !

وبينما انتصر العرب والمسلمون فى معظم حروبهم الكبرى على أكبر القوى، سواء فى " القادسية" أو "القسطنطينية" بقوة توحيدهم واتحادهم ونهضتهم، فلقد واجهوا أكبر هزائمهم سواء فى " غرناطة " أو فى " الآستانة "بسبب تفرقهم إلى مذاهب وأعراق، بسبب ضعف عقيدتهم وتراجع نهضتهم.

لكن المفارقة الكبرى، أنهم استطاعوا الانتصار على أعدائهم فى قتالهم مع غيرهم في الحروب الكبرى، فإنهم لم يستطيعوا الانتصارعلى أنفسهم فى اقتتالهم مع أشقائهم فى الفتن الصغرى والكبرى، بل إن ماواجهوه من هزائم فى حروبهم الأخيرة إنما كان نتيجة طبيعية لانزلاقهم بغير علم إلى التفرق والتعصب أو لاندفاعهم بغيرفهم إلى التنازع والاقتتال.

إننا في هذا اليوم الداعي إلى كل ماهو خير ونبيل نتطلع إلى قول وفعل في اتجاه تحرير الأقصى والقدس وفلسطين وكل أوطان المسلمين من الغزاة المحتلين، وكسر الحصار عن المحاصرين، وإغاثة كل المحرومين، ونصرة كل المظلومين في بلاد المسلمين،ووقف نزيف دماء العرب والمسلمين، وتحريم وتجريم الاقتتال الأهلي والانقسام الوطني والخلاف السياسي والمذهبي في أوطان المسلمين.

وإلى كل قول وفعل في اتجاه فرض السلام الأهلي والوحدة الوطنية والحوار السياسي والمذهبي بهدف أن يحل السلام بدلاً من الاقتتال، والتواصل بالحوار بدلاً من القطيعة، والوحدة بدلا من الفرقة، والتناصر بدلاً من التناحر، والأمن بدلا من الخوف، والعمار بدلاً من الدمار. نتمنى فعلاً حقيقياً في اتجاه مصالحات وطنية عادلة في كل مكان يدور فيه النزاع بين عربي وعربي مسلم ومسيحي، وبين عربي و مسلم، وبين مسلم ومسلم .

وكل عام وأنتم بخير ..

 

الأكثر مشاركة