زايد الإمارات.. زايد العرب

ت + ت - الحجم الطبيعي

يوافق اليوم، ذكرى وفاة المغفور له بإذن الله تعالى، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، بما قدم من عطاء بناء لوطنه وأمته، فالعديد من المشاهد، وطنياً وقومياً، هي شواهد على ما قدمت أياديه البيضاء، وقلبه الكبير، وعقله الحكيم من خيرات، ومواقف أبوية وأخوية لأبنائه المواطنين، ولأشقائه العرب والمسلمين.

ورغم مرور ثماني سنوات على رحيل القائد والوالد، ما زال زايد في الكل، وما زال الكل في زايد. هذا هو المشهد السياسي للإمارات اليوم، بعد رحيل زايد، مثلما كان ذلك المشهد في حياة زايد. إن أعظم ما في رصيد زايد، هو شخصيته الأبوية الإنسانية، التي توحدت مع الوجود كله، وانطلاقاً من التزامه، كوالد وقائد، بأداء الواجب، كان حرصه عالياً على أداء الحقوق وتحقيق العدل، ليس فقط لكل مواطن، بل أيضاً لكل مقيم، وليس فقط لكل إنسان، بل للبشر والطير والشجر والحجر أيضاً.

وأبرز ما ميز رصيده الفكري، توجهه التوحيدي والاتحادي، توحيداً لله، واتحاداً للوطن وللأمة، واعتزازه بجذوره العربية البدوية، بقيم الفروسية فيها، والشهامة والكرم، وإيمانه العميق بمبادئ دينه الإسلامي الخالد، وقيمه الإيجابية البناءة، الداعية للحق والعدل والحرية والكرامة الإنسانية.

وأنبل ما في رصيد زايد الإنساني العظيم، أنه لم يعش لنفسه، وإنما لأبناء شعبه وأمته، ولكل إنسان على كل أرض، والإمارات العربية في عهده لم يكن خيرها لنفسها، وإنما لأشقائها العرب والمسلمين، وللإنسانية كلها.

لقد برز المغفور له بإذن الله، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله، على مدى العقود الماضية في المشهد السياسي العربي، رجل دولة، وصاحب رسالة، يرى في الاتحاد والوحدة طريقاً إلى القوة، وفي القوة طريقاً إلى الحرية والنهضة والعزة والكرامة لشعبه، ولأمته العربية والإسلامية.

لقد كان هذا الفكر الوحدوي، وهذا النهج الاتحادي، هو الملمح الرئيس في مسيرة زايد، والذي كان ترجمة لأحلام شعبه، ولآمال شعوب أمته، ولأن زايد كان رجل القول والفعل، جاءت أقواله ترجمة لأفكاره، وكانت أعماله تجسيداً لأقواله.

ومنذ تحمل زايد مسؤوليته التاريخية على المستوى الوطني في عام 1966، حمل أمانة الدعوة لهذه الرسالة، وبدأ السعي بجد وصبر لتحقيق رسالته ببناء الاتحاد بين الإمارات، مع أخيه، المغفور له بإذن الله تعالى، الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، والسعي لتوسيع هذا الاتحاد فى دنيا العرب، من الخليج إلى المحيط، لتبقى رسالة زايد الخالدة لكل الأشقاء العرب «يا أيها المتفرقون اتحدوا»، وبعون الله، وبسياسة حكيمة.

وبخطوات واثقة، استطاع أن يبلغ الهدف، بإعلان ميلاد دولة الاتحاد في عام 1971، ليرى العالم مشهداً من أهم المشاهد الوطنية يضمه، طيب الله ثراه، مع وإخوانه الآباء المؤسسين، أصحاب السمو حكام الإمارات، لرفع علم الدولة الفتية الجديدة.

من هنا، تمر علينا الذكرى الثامنة لانتقال الشيخ زايد إلى الرفيق الأعلى، ونحن نشعر بالافتقاد لغياب تلك القامة السياسية العالمية العالية، والقيمة الإنسانية الوطنية الغالية، التى ظلت بوقفاتها الأبوية الكريمة بالنسبة لشعوب هذه المنطقة العربية والإسلامية، مصدر إلهام لكل ما هو أصيل.

لقد بقيت مواقفه المشهودة، سنداً ودفاعاً عن قضاياها المشروعة تاريخية، وبقيت فيها شواهده الكريمة نصباً تذكارية تحمل اسمه الخالد، فليس فيها بلد شقيق لم تمتد إليه أيادى زايد البيضاء، تحمل الخير والنماء.

وكان زايد في كل الأحداث الكبرى، هو القائد الحكيم الداعي إلى العقل، وإلى إطفاء النيران، وإلى الحوار، وقاد سفينة الإمارات وسط الأنواء والأعاصير، كربان ماهر، بسياسة متوازنة، ورؤية ثاقبة، تتخذ المواقف، وتطلق المبادرات لحل المنازعات وتصفية الخلافات، وتذكرالجميع بالمبادئ والمثل العليا، وتدعو الجميع إلى الموقف الصحيح في التوقيت الصحيح.

وأثناء حرب أكتوبر، ظل على اتصال بالقاهرة ودمشق لمتابعة الموقف، وحين طلب منه السادات إرسال كميات من الدم لإنقاذ الجرحى، أمر زايد بشراء المطلوب، وإرسال حمولة طائرتين بالدم، الأولى إلى ليبيا، وتتجه بالبر إلى الإسكندرية، والثانية إلى لبنان، وتتجه بالبر إلى دمشق، لإدراكه لأهمية مصر وسوريا في الأمن القومي العربي.

إن تاريخ زايد، ومبادراته المشهودة، ومواقفه الأصيلة، ستبقى في ذاكرة الأمة العربية في أبرز الصفحات، وستبقى إنجازاته ومشروعات الخير التي شيدها لدعم الأشقاء العرب، شواهد حية تذكر بأياديه البيضاء، وبقلبه الذي اتسع لأمته كلها، وليس لوطنه فقط، إيماناً بأن الشعب العربي واحد، والمصير العربي واحد.

ومثلما كان زايد الإمارات في قلب كل مشهد وطني أو قومي أو إنساني، سيبقى زايد أيضاً في بؤرة ارتكاز كل صورة مضيئة في الأمة العربية، وفي قلب كل حدث كبير في الأمة الإسلامية.

لقد انتقل زايد الخير بإمارات الخير إلى كل قضية عربية وإسلامية وإنسانية، فانتقلت إلى إمارات زايد محبة كل شعوب أمته العربية، ومشاعر احترام العالم كله.

 

Email