هي أسابيع حتى ينقشع الضباب

ت + ت - الحجم الطبيعي

في الوقت الذي يتحضر فيه الفلسطينيون للذهاب إلى الأمم المتحدة من أجل التصويت على طلب دولة غير عضو، يتحضر الإسرائيليون لمواجهة المرحلة المقبلة التي قد تشهد تصعيداً في نهج الاشتباك، وتحولاً عن خيار البحث عن السلام عبر مفاوضات، لم تقدم أية إمكانية للاستئناف إلا في حال اتخذ الرئيس باراك أوباما قراراً بذلك في حال فوزه في الانتخابات التي ستجري في السادس من هذا الشهر. كان من الواضح أن الرئيس محمود عباس، قرر تأجيل تقديم الطلب والتصويت عليه إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية.

وقد حصل ذلك بناءً على طلب من الإدارة الأميركية مشفوعاً بضغط تعاني جراءه السلطة من أزمة مالية خانقة. الضغط الأميركي الفعَّال على السلطة، يوفر مبرراً كافياً للقيادة الفلسطينية لكي تؤجل تقديم طلبها إلى الأمم المتحدة. والطلب الأميركي من القيادة الفلسطينية ينطوي على شيء من المراهنة على إمكانية أن يطرأ تغيير ما في السياسة الأميركية إزاء الملف الفلسطيني الإسرائيلي في حال فاز الرئيس أوباما، وعلى اعتبار أنه سيتحرر نسبياً من الضغوط التي يمارسها على إدارته اللوبي اليهودي وكذلك إسرائيل.

هذا يعني أيضاً أن الفلسطينيين لن يترددوا في مواصلة التوجه نحو الأمم المتحدة وربما يبادروا إلى توسيع إطار الاشتباك مع المحتل الإسرائيلي في حال فاز الجمهوري ميت رومني، الذي أظهر ولاءً ودعماً مطلقاً للسياسات الإسرائيلية وعداءً مستفحلاً للشعب الفلسطيني وحقوقه. محطة الرئاسة الأميركية أيضاً تشكل للإسرائيليين مفصلاً هاماً، إذ في حين يربط رئيس الوزراء السابق عن حزب كاديما، قراره بالترشح لمنافسة نتنياهو بنتائج الانتخابات الأميركية، فهو سيترشح على الأرجح في حال فوز باراك أوباما أو في حال فوز رومني.

قرار أولمرت مرتبط بالمتوقع من قبل الفائز إزاء عملية السلام، حيث يبدو أن أولمرت أكثر استعداداً لخوض التجربة، ودفع عملية السلام. لقد كان ذلك واضحاً من خلال تصريح أدلى به الرئيس محمود عباس قبل بضعة أسابيع، وقال فيه إن المفاوضات مع أولمرت قطعت شوطاً كبيراً، وكان اتفاق سلام محتمل لو استمر أولمرت في منصبه لشهرين إضافيين. تحسباً لمثل هذه التطورات وسعياً وراء توظيف التبادلية بين الانتخابات الرئاسية الأميركية والانتخابات الإسرائيلية.

والتي توفر لإسرائيل المزيد من الوقت في اتجاه تكريس الوقائع على الأرض، التي تمنع نجاح أي عملية سلام، قرر نتنياهو وحلفاؤه التوجه نحو انتخابات مبكرة، اقتضت حل الكنيست، وستجري في الثاني والعشرين من فبراير العام المقبل. غير أن شراء المزيد من الوقت، من خلال التلاعب بمواعيد الانتخابات، ليس كافياً لإظهار مدى وحشية السياسة الإسرائيلية وتطرفها، ومدى تمسك السياسيين الإسرائيليين بسياسات رفض السلام، ورفض التعامل مع كل الحقوق الفلسطينية، لذلك بادر نتنياهو إلى خطوة غير مسبوقة حين اختار خوض الانتخابات بقائمة واحدة من حزب إسرائيل بيتنا الذي يتزعمه وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان.

سياسياً يكاد الحزبين الشريكين أن يتطابقا، إزاء رؤيتهما لعملية السلام وآلياتها ومرجعياتها، وإزاء أولوية الملف النووي الإيراني، وحتى إزاء كيفية التعامل مع الفلسطينيين ونحو تنفيذ مخططات عدوانية، عنصرية هي أقرب إلى التطهير القومي.

هذا يعني أن نتنياهو قد ضمن لهذا التحالف فوزاً كبيراً وساحقاً على كل المنافسين وهم باستثناء حزب كاديما، مجرد مجموعات صغيرة، غير قادرة على المنافسة في الأساس.

يتوقع المحللون في إسرائيل أن يحصل هذا التحالف على عدد من المقاعد يصل إلى ما بين أربعين وخمسة وأربعين مقعداً، لليكود من هذا العدد الثلثين، ولإسرائيل بيتنا الثلث، وهذا العدد عموماً يساوي أو يقترب من عدد مقاعد الحزبين في الكنيست المنحلة، حيث كان الليكود ممثلاً بسبعة وعشرين مقعداً، وخمسة عشر مقعداً لإسرائيل بيتنا.

هذا التحالف يربك الفلسطينيين بقدر ما أنه يربك الأحزاب الإسرائيلية، التي سيترتب عليها أن تخوض معركة ميؤوس منها، ولكن أغلبيتها تنافس من ذات الموقع المتطرف الذي يقف عليه تحالف ليكود بيتنا. هكذا يكون بنيامين نتنياهو قد أقام سداً منيعاً أمام أية محاولة من أوباما في حال فوزه، أو من المجتمع الدولي لتغيير قواعد اللعبة السياسية التي تديرها السياسة الإسرائيلية بشأن عملية السلام. أما في حال فوز رومني فإن تحالف نتنياهو- ليبرمان سيحظى بدعم نوعي كبير لسياساته من قبل الولايات المتحدة.

ومن الواضح أن فوز هذا التحالف بعدد كبير من المقاعد في الكنيست، سيؤدي إلى تكريس نتنياهو ملكاً متوجاً على إسرائيل، وسيضمن له ائتلافاً حكومياً واسعاً منيعاً ليستطيع الركون إليه في حال اتخذ قرارات ذات أبعاد استراتيجية، سواء تعلقت بعملية السلام أو بكيفية التعامل مع التحولات العربية والأميركية، أو حتى بكيفية التعامل مع الملف النووي الإيراني.

إذا كان هذا ما يفكر به ويفعله الإسرائيليون، فإن الانتخابات الإسرائيلية ستشكل فعلياً نهاية خيار وإستراتيجية السلام، إذ من غير المحتمل أن يخوض أوباما في حال فوزه معركة مع إسرائيل تتجاوز حدود الثابت في العلاقات الأميركية- الإسرائيلية.

حينذاك لا يتبقى للفلسطينيين سوى أن يعضوا على أصابعهم ندماً، على مراهنات خاسرة وسنوات طويلة من المفاوضات العبثية، وإضاعة الكثير من الوقت والجهد والحقوق، وانقسام خطير يستهلك طاقة الشعب وقواه ويوفر لإسرائيل المزيد من الفرص لتحقيق مخططاتها الجهنمية.

 

Email