ملفات عربية متعددة في جولة لافروف

ت + ت - الحجم الطبيعي

اختتم وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف زيارة لمصر في بداية جولة شرق أوسطية شملت الأردن والأراضي الفلسطينية، قبل زيارته التالية للاجتماع مع وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي منتصف نوفمبر الحالي. وبينما كنا نتوقع ألا تقل نتائج هذه الزيارة عن سابقتها.

والتي بلورت اتفاقا عربيا روسيا في النقاط الخمس لحل الأزمة السورية، وهي: وقف العنف أيا كان مصدره، وآلية رقابة محايدة، ورفض التدخل الخارجي، وإتاحة وصول المساعدات الإنسانية، ودعم جهود كوفي عنان ونقاطه الست، خاصة والمبعوث الأممي الجديد الأخضر الإبراهيمي يبحث عن صيغة للحل.. فاجأنا التباين بين الموقف العربي، وكلا الموقفين الأممي والروسي.

فبعد اللقاء الثلاثي بين وزير الخارجية الروسية والأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي والمبعوث الأممي لبلورة صيغة حل للأزمة السورية، لم يجدد السفير نبيل العربي التأكيد على النقاط الخمس السابقة، ولم يجد سوى القول "نحرص على التقدم، وهناك أفكار مختلفة، ولكن لم يتم الاتفاق على شيء جديد"!

بينما أكد الدبلوماسي المخضرم الأخضر الإبراهيمي أن "وزير الخارجية الروسي لا يختلف معنا على سوء الوضع في سوريا، ولا على ألا حل عسكري للأزمة السورية، ولا على ضرورة الحل السياسي، وأن الأزمة إذا استمر العنف سوف تنتقل إلى الدول المجاورة"!

وفيما قال الوزير لافروف: "لدينا إعلان جنيف الموقع من الدول الخمس الكبرى، الذي يقول لجميع السوريين أوقفوا نزيف الدماء"، موضحا أن روسيا تتحدث مع المعارضة والحكومة معا "ولكن بعض الغربيين لايتحدثون إلا مع المعارضة المسلحة، وهدفهم زعزعة الوضع في سوريا، وتهيئة الظروف لتنحي النظام السوري، وهذه وصفة لمزيد من إراقة الدماء"..

أوضح الابراهيمي أنه بعد الاتصالات الدولية التي أجراها، يرى أن بيان جنيف "يمكننا من وضع خطة لحل سياسي يرضي الشعب السوري ويحقق طموحاته المشروعة للتغيير السلمي"، مطالبا القوى الدولية "بترجمة البيان إلى قرار دولي ليصبح مشروعا سياسيا"، لإنهاء نزيف الدماء.

لكن لافروف استبعد صدور هذا القرار، لإصرار بعض الموقعين على بيان جنيف على تغذية العنف بدعم المسلحين، في إشارة إلى أميركا وبريطانيا وفرنسا، التي تدعم بالمال والسلاح استمرار الاقتتال المسلح ونزيف الدماء لإسقاط النظام السوري!

وفي ظل الخلاف بين الموقف الروسي والصيني من جهة وبين الموقف الأطلسي الغربي الذ ي أحدث انقساما في مجلس الأمن منع التقدم على طريق الحل، أظن، وليس كل الظن إثما، أن الدبلوماسية العربية لم تحسن استثمار الزيارة، حين أضاعت إمكانية التقريب بين الموقفين ببلورة موقف سياسي وسط مع الجانب الروسي الذي يريد وقف العنف طبقا للقانون الدولي، لتبقى إلى جانب الموقف الغربي الذي يريد استمرار إراقة الدما ء بالمخالفة للمواثيق العربية والأممية!

وفي الملف المصري، وبعد استقبال الرئيس محمد مرسي للوزير الروسي ومباحثاته مع نظيره المصري، أعلن لافروف تأييد بلاده للمبادرة الرباعية المصرية، الساعية لوقف الاقتتال السوري ووقف إراقة الدماء، والرافضة للتدخل العسكري، والمتمسكة بالحل السياسي، قائلا إن هذه المبادرة أضافت لإعلان جنيف مشاركة كل من السعودية وإيران، وهما لاعبان إقليميان مؤثران للتوصل إلى حل سياسي.. متهماً قوى دولية بالعمل على توحيد المعارضة المسلحة بهدف استمرار الاقتتال، وليس من أجل الحوار لإيجاد حل!

وفيما تردد الحديث عن توقيع اتفاقية جديدة للتعاون المصري الروسي، قال وزير الخارجية المصرية محمد كامل عمرو إن المباحثات التى أجراها مع نظيره الروسي، تركزت على تعزيز مختلف أوجه العلاقات بين البلدين، خاصة الاقتصادية والسياحية، وأنه جرى الحديث عن مشروع إقامة منطقة صناعية حرة لتكون قاعدة للصناعات الروسية في مصر.

وكلنا يتذكر التاريخ الإيجابي الحافل لعلاقات البلدين في المجالات السياسية والدفاعية والتنموية، سواء في دعم مصر ضد العدوان الثلاثي عام 56 بالإنذار الروسي الشهير، أو في إعادة تسليح الجيش المصري بعد حرب عام 67، لتدخل مصر وسوريا حرب أكتوبر المنتصرة بسلاح روسي..

أو تنمويا بدعم بناء "السد العالي" الذي كان الأساس في بناء التنمية المصرية، بعدما سحبت أميركا قرض البنك الدولي، كما دعمت خطط التنمية الخمسية المصرية لتصنيع مصر وزيادة الإنتاجية الزراعية فيها، ولتحقيق مضاعفة الدخل القومي كل عشر سنوات.. بقدر ما نتذكر أن العلاقات المصرية الروسية كانت هي مفتاح العلاقات الروسية العربية والإفريقية، لما كان لمصر في الحقبة الناصرية من تأثير غلاب في محيطها العربي والإفريقي، وما لها من وزن كدولة إقليمية كبرى.

لهذا، ربما كان من المهم لمصر الكبيرة والجديدة بعد ثورتها، ألا تظل رهينة لطرف واحد في الغرب أو في الشرق، أو لدولة كبرى أو صغرى، وعليها بعد مد الجسور مع الصين، أن تواصل فتح الجسور الجديدة مع العالم، وتدعيم العلاقات التاريخية القديمة مع روسيا، بصياغة جديدة تستجيب للمصالح المشتركة وللمتغيرات في البلدين؛ روسيا الجديدة غير الشيوعية ومصر الجديدة بعد الحقبة الناصرية.

 

Email