معادلة جديدة للردع الفلسطيني

ت + ت - الحجم الطبيعي

ما كان الاحتلال الصهيوني ليصعد أعلى الشجرة، ويقدم على ارتكاب جريمته الإرهابية بشن غاراته العدوانية على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، لولا ضمان الدعم الأميركي والغربي؛ السياسي والإعلامي والعسكري.

ولولا سوء الحسابات العسكرية لقدرات المقاومة الفلسطينية، وسوء تقديره للموقف السياسي للأوضاع العربية السائدة والمتنازعة، والتي وفرت إغراء لا يقاوم لشن هذه الحرب الفاشلة، لكن السحر انقلب على الساحر، عسكرياً وسياسياً وإعلامياً.

فعندما شنت إسرائيل عدوانها غير المحسوب، كان في مقدمة أهدافها تدمير قدرات المقاومة الصاروخية، لكن المفاجأة أنها فشلت برغم أكثر من 700 غارة جوية على مدى سبعة أيام، بدليل أن سماء المدن الصهيونية أمطرت مئات الصواريخ الفلسطينية، بما جعل صافرات الإنذار تدوي باستمرار، ما أجبر نتنياهو وباراك وليبرمان وملايين الصهاينة على الاختباء في الملاجئ وسط مشاعر من الهلع، بما جعل تأثير صاروخ واحد يزيد على عشر غارات!

وما كان نتنياهو ليضطر إلى النزول من فوق الشجرة وطلب الهدنة من أميركا، لولا تغير الموازين على الأرض التي حققها الصمود الشجاع للشعب الفلسطيني في غزة، ومعادلة الردع الجديدة التي وفرتها مفاجآت صواريخ المقاومة، بأنواعها المختلفة، التي ضربت "تل أبيب" لأول مرة منذ حرب الخليج، وقصفت البارجة الصهيونية، والصواريخ التي أسقطت طائرات للمعتدين للمرة الأولي!

وعندما قرر الثلاثي العدواني شن الحرب على غزة، لم يكن في اعتبارهم اختبار غزة بقدر ما كان اختبار مصر بعد التغيير، خصوصاً بعد سقوط "الكنز الاستراتيجي" من الحكم، وبعد صعود الإخوان المسلمين إلى الحكم، اختباراً لتعهداتهم للأميركان بالسلام مع إسرائيل.

لكن رئيس مصر الجديدة الذي صدم المصريين بخطابه الودود لبيريز، فاجأ الإسرائيليين بخطابه الغاضب للمعتدين، ورد بحزمة إجراءات عملية، بداية بسحب السفير، ومروراً بدعوة الجامعة العربية للاجتماع، ونهاية بدعوة مجلس الأمن لوقف العدوان.

وما كان نتنياهو ليأخذ الأمر مأخذ الجد ويرسل وفداً عسكرياً إلى القاهرة للتفاوض على الشروط الفلسطينية لوقف هذه الحرب، وسط ضجيج مفتعل بالتهديد بتوسيع الحرب تمهيداً للتراجع، لولا تغير موقف القاهرة بعيداً عن موقفها في عدوان 2008 في ظل التبعية للمواقف الأميركية والصهيونية.

حينما بلغت المأساة قمتها بإعلان "ليفني" قرار شن العدوان من القاهرة، بما صدم مشاعر الشعب المصري، ليكون موقفها في عدوان 2012 بعد ثورة يناير الشعبية، التي غسلت وجه مصر العربي بمياه النيل وناصرت قضية الشعب الفلسطيني، انعكاساً لموقف شعبها ومبادئه ومصالحه وانتمائه العربي والإسلامي الثابت.

فمن الثوابت، أن توجهات السياسة المصرية بعد الثورة، لا بد لها أن تأتي انعكاساً حقيقياً للمبادئ والقيم التي يؤمن بها شعب مصر، وللروابط والمصالح النابعة من رؤية واضحة لمكانها ومكانتها.

وبالتالي لالتزاماتها ولدورها في أمتها وإقليمها وقارتها وعالمها، بتوازن وعقلانية ووعي بالظروف والمخاطر المحيطة، وأن تعكس واقع وموقع مصر وفقاً لعقائدها وحضارتها وجغرافيتها وتاريخها، وأن تنطلق من رؤية واعية لمحددات أمنها القومي وحدوده وآفاقه.

ولهذا، فالسياسة الجديدة لمصر الجديدة، التي تضع القضية الفلسطينية في أولى أولوياتها وتستشعر بمسؤولية خاصة تجاه رفع الحصار عن الفلسطينيين في غزة، ورد العدوان عنهم، إنما تنطلق من قواعد ثابتة وأهداف واضحة ومبادئ مشروعة، سياسية ووطنية وأخلاقية وإنسانية، تعكس إرادة عموم شعبها، وتحدد بوضوح من هو العدو ومن هو الشقيق ومن هو الصديق، برؤية استراتيجية واسعة.

وليست انطلاقاً من رؤى سياسية أو مذهبية قصيرة النظر وضيقة الأفق لحكومة تعبر عن حزبها ولا تعبر عن شعبها. ولهذا حين تأتي سياسة «مرسي» اليوم غير سياسة «مبارك» أمس.

فذلك هو المسار الطبيعي، تصحيحاً للمعادلات المختلة التي سادت قبل التغيير في تناقض مع المبادئ التي آمن بها الشعب المصري دوماً، واستعادة للتوازن بين المبادئ والمصالح، وللقراءة الصحيحة لمصادر تهديد الأمن الوطني المصري الذي هو جزء من الأمن القومي العربي، الذي تشكل إسرائيل مصدر التهديد الرئيسي له.

إن عاصمة مصر الجديدة التي استضافت وزراء الخارجية العرب في بيت العرب، والتي تحملت العبء الأكبر من دماء شهدائها دفاعاً عن فلسطين قضية العرب الكبرى، باعتبار فلسطين كانت عبر التاريخ هي خط الدفاع الشرقي عن مصر، كانت بمواقفها الجديدة هي بوابة العبور لأول زيارة تضامنية إلى غزة، للوفد العربي الوزاري، برئاسة العراق رئيس القمة العربية ولبنان رئيس الدورة الحالية، ووزراء خارجية مصر وتونس والجزائر والسودان وفلسطين والأمين العام للجامعة العربية.

لقد جاء هذا العدوان الصهيو أميركي الأخير فرصة حقيقية لتوحيد المواقف الفلسطينية بالمصالحة الوطنية، وتصحيح البوصلة العربية في اتجاه عدوها، وعدم الانشغال عن مواجهة العدو الصهيوني بمواجهة العدو البديل.

أو الاقتتال مع الشقيق العربي، وهو ما يستلزم مصرياً وفلسطينياً وعربياً، مضاعفة الانتباه إلى محاولات الصهاينة وحلفائهم وعملائهم بمزيد من المؤامرات لإجهاض الردع الفلسطيني، والتحول المصري والممكن العربي الذي تحقق، لشغل العرب بدلاً من دعم المقاومة إلى مقاومة المقاومة!

في النهاية المثل العربي يقول: "في مواجهة الذئاب، تذأب قبل أن تأكلك الذئاب".. وبعيداً عن أحاديث "النعاج والثعالب والذئاب".. فإنه لا احتلال بلا مقاومة، ولا هجوم صهيونياً بدعم أميركي وغربي بلا دفاع فلسطيني بدعم إسلامي وعربي.. وبدلاً من تسليح المعارضين لتدمير جيوش عربية، سلحوا المقاومين لتحرير أراضٍ عربية.. حتى تبقى القدس وفلسطين عربية.

 

Email