الاتحاد.. تجربة إماراتية وضرورة عربية

الاحتفال باليوم الوطني الحادي والأربعين لدولة الإمارات العربية المتحدة، والذي يبلغ ذروته بعدغد في الذكري الخالدة لميلاد الدولة الاتحادية الجديدة في الثاني من ديسمبر عام 1971، بحضور الآباء المؤسسين.

وفي مقدمتهم المغفور لهما بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، والشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، مع إخوانهما حكام الإمارات.. هذا الاحتفال هذا العام تتضاعف قيمته، وتتضح أهميته، وتتأكد ضرورته، وطنيا وقوميا، وشعبيا ورسميا، أكثر في ضوء ما يواجه الأمة العربية والإسلامية من مشاريع تقسيمية صهيونية وغربية واضحة.

وإذا كانت تلك المشاريع الاستعمارية هي التحدي الأكبر أمام أمتنا، فإن إعادة الوحدة بين أجزائها هو الاستجابة لهذا التحدي، وهي السد العالي أمام مؤامرات تقسيم المقسم وتجزيء المجزأ. ولهذا فإن أهم دروس النموذج الاتحادي العربي في الإمارات، هو إثبات أن الاتحاد العربي ممكن، بل هو الممكن الوحيد لاستعادة مكانة هذه الأمة التي تستحقها شعوبها بين الأمم على الخريطة العالمية، وأن استمرار التجزئة العربية غير مقبول وغير معقول، في ظل كل المتغيرات العالمية، وبعد كل الدروس الدولية التي تؤكد «ضرورة الاتحاد» بين الأجزاء.

والقيمة المضاعفة لهذا الاحتفال الشعبي والرسمي الإماراتي والعربي الكبير بالاتحاد، إنما تنبع من القيم الوطنية والعربية والإسلامية، التي تستقر في وجدان شعبنا وتحفظها ذاكرة الأمة التاريخية عبر الأجيال، والتي تدعو إلى الاتحاد وتؤكد على ضرورة الوحدة، وتحفل بها مصادر التراث الديني والاجتماعي والشعبي عبر التاريخ..

فالله يأمرنا بالوحدة وينهانا عن النزاع، قائلا «إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون»، وبقوله «ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم»، وحكمة الآباء والأجداد تقول لنا إن "الاتحاد قوة والتفرق ضعف"، وإبداعات الشعراء العرب من الخليج إلى المحيط عبر التاريخ، زاخرة بقصائد الاتحاد وداعية بدعوة التوحيد.

وتزداد الأهمية الواضحة للتمسك بتدعيم الاتحاد وبالتلاحم الوطني، من أن مخططات إعادة التقسيم الجديدة للوطن العربي، اتخذت أشكالا جديدة في إطار ما يمكن تسميته "الغزو من الداخل"، وذلك بتوظيف التنوع والاختلاف الطائفي والمذهبي والسياسي في أوطاننا، لتحويله إلى معول للفتن السياسية والطائفية والمذهبية، بعد أن فشل المستعمرون الجدد في فرضها على الخرائط الحالية بالغزو العسكري المباشر من الخارج.

أما عن ضرورة الاتحاد فإنها تتأكد لكل ذي عينين، من مشاهد تجمعات العالم التي تتوحد لتصنع الاتحادات السياسية الكبرى أو التكتلات الاقتصادية الكبرى، بينما نحن في وطن العرب وأمة المسلمين وحدنا الذين نتعرض للتقسيم من الخارج، ونقتتل فيما بيننا في بعض أوطاننا، تحت شعارات خادعة في الطريق إلى واقع التقسيم، تحقيقا لأهداف أعداء الوطن والأمة، في حين يأمرنا الله بالوحدة.

إن الضرورة تعني الاتحاد أو الزوال، مما يضع الأجزاء غير المتحدة أمام خيار واحد، هو الوجود أو اللاوجود، خصوصا أن ما يتوفر لأقطار الوطن العربي من دوافع الوحدة أو حتى الاتحاد، لا يتوافر لغيرها من الاتحادات المحيطة، مثل الأوروبي والإفريقي، وأهمها أن الوطن العربي كان متوحدا في دولة عربية إسلامية واحدة، قبل أن يتجزأ بفعل سقوط هذا الوطن تحت الحكم الاستعماري الغربي بعد الحرب العالمية الأولى.

وكان من المنطق التاريخي، أن يعود إلى وحدته الأولى بعد استقلاله الرسمي، وتكوين منظمته العربية بعد محادثات «الوحدة العربية» التي أجراها حكام الدول العربية المستقلة لتأسيس الجامعة العربية، إلا أن «المنظمة العربية» التي كان من المفترض أن تكون تعبيرا عربيا شاملا، رسميا وشعبيا، ظلت غائبة أو مغيبة عن واقع الشعوب العربية وقضاياها.

إن سبعة عقود من عمر الجامعة كانت كافية لتحقيق الأهداف الوحدوية والتحريرية للشعب العربي بعد تأسيس الجامعة، لو توفرت الجدية والإرادة السياسية، من تحرير الأرض المحتلة، وإنجاز هدف الاتحاد العربي، ودفع التنمية الاقتصادية، وتحقيق العدالة الاجتماعية، وتأكيد الحرية السياسية للمواطن العربي، وتوفير الاستجابات الصحيحة للتحديات الجديدة المفروضة على أمتنا.

وبالتالي فإن الجامعة الآن وهي تواجه محاولات لاحتوائها، بل وإلغائها، بمشروعات غربية «شرق أوسطية» تريد تذويب الهوية العربية وتفكيك النظام العربي، تلزمها استعادة بوصلتها العربية استقلالا عن البوصلة الغربية، وعليها تقوية مؤسساتها الشعبية وتوسيع صلاحياتها، وتطبيق اتفاقياتها وتحويلها إلى مظلة اتحادية عربية، لتكوين كيان اتحادي عربي استجابة لأول أهدافها.

والمطلوب لتحقيق هذا الطموح المشروع، هو إشاعة ثقافة وحدوية ونهضوية عربية تستلهم رسالات السماء، ثقافة حضارية وإنسانية تبلور القواسم والسمات المشتركة في العقل والوجدان والضمير العربي، وبانتهاج سياسة وحدوية عربية تحمي أجزاء الوطن العربي من التدخلات الأجنبية.

وتعالج آلام الشعب العربي، وتحقق آماله المشتركة في الوحدة والحرية والعدل والتنمية. إننا نطمح أن يكون عرس الاتحاد الذي نحتفل به في الإمارات العربية المتحدة هذه الأيام، بشيرا بعرس للاتحاد الأكبر بين الدول العربية والإسلامية في قادم الأعوام..

 

الأكثر مشاركة