الأسبوع الماضي زار الجزائر نائب وزيرة الخارجية الأميركية ويليام بيرنز، وأعلن من هناك أن بلاده تدعم الموقف الريادي للجزائر الخاص بفتح وتطوير حوار بين الفصائل المتصارعة في مالي، وذلك قبل أيام فقط من قرار كان متوقعاً من مجلس الأمن، بقبول مذكرة إفريقية تنص على نشر قوات في شمال مالي.

وقال نائب وزير الخارجية الأميركية، إن بلاده تدعم كل الجهود الرامية إلى إحراز تقدم في الحوار السياسي بين الحكومة المالية، والجماعات التي لا تلجأ للعنف في شمال مالي الخاضع لسيطرة خليط من الجماعات التي يرتبط بعضها بتنظيم القاعدة.

والنهج الجزائري في مالي يقوم على تهدئة العلاقة بين الحكومة المالية والطوارق، وتنفيذ الاتفاقات التي تم توقيعها بين الطرفين، بما يحول دون التحالف بين الطوارق والجماعات الموالية لتنظيم القاعدة في المستقبل، ثم دعم الطوارق لكي يواجهوا تنظيم القاعدة بأنفسهم، لأن شمال مالي، حيث يتمركز تنظيم القاعدة، منطقة انتشار لقبائل الطوارق.

ولم تحقق الجماعات الموالية للقاعدة نجاحاتها في السيطرة على المنطقة، إلا بعد تحالفها مع التنظيم الأقوى لدى الطوارق وهو جبهة تحرير أزواد، وهو تحالف في الأساس مع القاعدة بسبب تراجع الحكومة المالية عن تنفيذ اتفاقات سابقة توصلت إليها مع الطوارق، يمنحون بموجبها صورة من صور الحكم الذاتي.

والحاصل أن إبداء الولايات المتحدة إعجابها بهذا المنهج في التعامل مع الوضع في مالي، لا بد من وضعه داخل سياق إقليمي. فمن جهة فإن قوى إقليمية، وعلى رأسها الجزائر وتونس والمغرب، ترى أن التدخل العسكري في مالي سيؤدي إلى عملية خلط للأوراق وإلى تداعيات إقليمية ترى أنها ستكون خطيرة عليها، حيث ستتدفق عناصر من الجماعات الموالية للقاعدة إلى أراضي هذه الدول، بما يعيدها مرة أخرى إلى دائرة العنف والعنف المضاد، ومعظمها خرج من هذه الدائرة قريباً بعد معاناة شديدة.

ومن جهة ثانية فإن المنهج الجزائري أثبت فاعلية على الأرض، ذلك أن مواجهات مسلحة حدثت بين مقاتلي جبهة تحرير أزواد والجماعتين المواليتين لتنظيم القاعدة، وهما "جماعة أنصار الدين" و"حركة التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا"، وأكدت صحة وجهة نظر الجزائر لأنها انتهت إلى استعادة الجماعة المنتمية للطوارق، مدناً كانت تحت سيطرة الجماعات الموالية للقاعدة.

وهذا يعني أن القوى الغربية والإقليمية المضارة من سيطرة القاعدة على شمال مالي، لو دعمت الطوارق لوجستياً وعسكرياً ومالياً، يمكنها أن تزيل هذا الخطر تماماً من دون الحرب المباشرة ضد القاعدة في المنطقة.

ولكن إعجاب الولايات المتحدة بالمنهج الجزائري الخاص بالتعامل مع الوضع في مالي، لا يعني أنها سوف تتبناه كاملاً، فهي تخضع لضغوط من القوى الإقليمية الأخرى، ومن الدول الغربية التي لديها مصالح في مالي أو في منطقة الساحل الإفريقي وفى منطقة غرب إفريقيا كلها.

وهذا الوضع يمكن أن يؤدي إلى تبني الولايات المتحدة لصيغة وسطى بين التدخل العسكري والمنهج الجزائري، وهذا ما بدا من البيان الرئاسي الذي صدر عن مجلس الأمن منذ أيام.

ففي الوقت الذي كان الجميع يعتقد أن المجلس سوف يوافق على دعم القوات الإفريقية التي تشكلت بموجب قرار من مجموعة دول غرب إفريقيا "ايكواس"، فإن البيان صدر ليبدو وكأنه يعطي فرصه للمنهج الذي تتبناه الجزائر، رغم أنه أشار إلى الفصل الثامن من ميثاق الأمم المتحدة، وهو الذي تم استخدامه أكثر من مرة لتبرير عمليات عسكرية تحت مظلة الأمم المتحدة.

ومن يطالع هذا البيان الرئاسي الذي صدر عن مجلس الأمن وقرأه وزير خارجية المغرب، يدرك حجم الخوف الدولي من نشاط القاعدة في هذه المنطقة الاستراتيجية، ويدرك أن الوضع جد خطير، ولكنه مع ذلك يبدو أنه يعطي فرصة لمنهج يرى أنه أكثر إلماماً وفهماً لوضع المنطقة وتعقيداتها وظروفها.

واللغة الحاسمة التي كتب بها الخطاب، والإشارات إلى مواد سبق وأن فتحت الباب أمام تدخلات مباشرة في دول أخرى، تفتح الباب أمام تبني الخيار العسكري في وقت غير بعيد، ذلك أن أحاديث ممثلي دول المنطقة في اجتماع مجلس الأمن، كلها دعت إلى سرعة التدخل كي لا تصبح المهمة أصعب في المستقبل، فضلاً عن أنها عبرت عن قلقها الشديد من تلكؤ المجلس في اتخاذ القرارات الحاسمة بشأن المنطقة، وأن نشر قوة السلام المسماة "أفيزما" فوراً في المنطقة، حيوي لمنع تفاقم الأزمة التي تهدد حكومات وشعوباً، وأن أي تأخر في ذلك سيكلف الجميع غالياً.

والقوة الإفريقية تشكلت بالفعل، وهو ما يعني أن إعطاء الوقت للحل السياسي الذي تتبناه الجزائر وترعاه، لن يوقف الاستعدادات، وهذا ما يبدو من تصريحات ممثلي دول المنطقة المحيطة بمالي في الاجتماع، وما قاله المبعوث الخاص للأمين العام إلى منطقة الميدان في الساحل الإفريقي، رومانو برودي، الذي طالب بعمل جماعي لمحاربة التنظيمات الإرهابية والإجرامية، والعمل الجماعي هذا يمكن أن يكون عسكرياً أو سياسياً، وقال إنه سيسافر إلى المنطقة مرة أخرى لمناقشة كل المشكلات القائمة في مالي، ليس فقط مع رجال السياسة، بل أيضاً مع رؤساء القبائل والمثقفين والتجار.

وهو ما يعنى تهيئة الأجواء على الأرض لحصار القاعدة وعزلها، سواء لتهيئة العمل العسكري أو لمنعها من التمدد والانتشار في حال تبني الحل السياسي.