يحتار المرء عندما يعتزم الكتابة عن الذكرى السابعة لتسلم صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، زمام القيادة والحكم في إمارة دبي. ومبعث هذه الحيرة يعود أولاً، إلى اختلاط الموضوع بكم الإعجاب إلى حد الدهشة، وثانياً إلى أن الذي تحقق من منجز في سنوات قليلة قياساً بعمر الشعوب، لا يمكن تصديقه لو أنه حدث قبل ثورة المعلومات، لسبب بسيط هو أن العقل سيحيله بسلاسة إلى مخزون الروايات والأحداث التي نسجها الخيال وحفظها الرواة على سبيل التندر وتنشيط الذاكرة.
لكن قصة نجاح دبي ومضامين مفهوم القيادة في رؤية صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، تحتاج إلى موضوعات وحلقات من الدراسة والتمحيص، عند الإجابة فقط عن سؤال جوهري واحد لا عشرات الأسئلة الفرعية.
فدبي مدينة بسيطة تستلقي بسلام منذ القدم على سواحل الخليج العربي، تكتحل عيناها بفرح غامر عند رجوع صياديها من رحلات غوص بدائية بحثا عن قليل من اللؤلؤ. فكيف تمكن حاكم مثل محمد بن راشد من أن يغير كل شيء في المكان، ويحيل هذه الإمارة البسيطة إلى أعجوبة، أو سمها دانة الدنيا، يحلم بزيارتها الصغير والكبير ويقصدها البعيد ويستمتع بها القريب؟
إمارة بلا نفط أو غاز أو ثروات باطنة أو ظاهرة، استطاعت أن تحفر اسمها بحروف من الماس على خارطة العالم، فصارت قبلة السائح وبيئة الجذب للمال والأعمال، مدينة المشاريع الكبرى في العمران والفن والثقافة والإعلام والصحة.. حقا كما وصفت بأنها المدينة التي لا تنام، لكنها تحلم في كل ليلة وتحيل الحلم إلى حقيقة..
الجواب بسيط جدا، فهناك من امتلك الرأي والرؤية.. هناك فارس وهبه الله العزيمة والإرادة التي لا تنثني أمام الصعاب، رجل منهجه بسيط: "دعوا من يتكلم ونحن نبني، لأن الشعارات والجعجعة الفارغة لا تقيم بنيانا ولا تبني إنسانا، إنه وحده العمل المرتكز على الرؤية".
فقيادة محمد بن راشد صارت منهجاً يختزن الحلم والواقع، الفكر والتطبيق، منهجاً أدرك منذ الانطلاق أن الإنسان هو جوهر التنمية ومدماكها. لذا كان القائد والباني صاحب المشاريع الملهمة، يركز على بناء الإنسان وتمكينه من العلم والخبرة..
سبع من السنوات، لا شيء في أعمار حكومات ودول كثيرة، لأنها مثلما قال صديق متندرا: لا تكفي لإنجاز دراسة الجدوى لجسر أو لبناء سكة قطار، بينما حاكم دبي أنجز فيها الأعاجيب. دبي رغم كل الذي تم وأبهر العالم، ليست راضية بمعنى القصور، إنما تتوثب للانطلاقة الكبرى في خطتها الطموح حتى عام 2022.
التميز في هذا المكان أصبح عنوان كل شيء، والجودة غدت حديث المسؤول والمواطن والمقيم على حد سواء.. في دبي لا تعثر على ناس يثرثرون أو ينفقون أوقاتهم في لا شيء، فمدرسة محمد بن راشد في القيادة تعد الزمن مكونا رئيسيا لقياس مديات النجاح، فلا أوقات هنا مفتوحة للغلط والتجريب وإعادة العمل.
إن الكاتب ليخجل إذا ما أراد أن يعزز مقالاته بما تحقق من منجزات أو مشاريع، وكما قال شاعرنا العربي "فهل يحتاج النهار إلى دليل"؟!
سبع سنوات من النجاح والتميز والعزيمة على الاستمرارية، رغم العواصف الهوجاء التي هبت على الفارس اليعربي محمد بن راشد وهو يقود دفة القيادة باقتدار وتفرد نادرين. لم تهتز قامته المديدة، ولم يزغ بصره، بل بقي واثقا أن الفارس يمتطي جوادا أصيلا قادرا على التحدي، فانحناءة قليلة ومراوغة الرياح هي من مهارات الفرسان.
دبي في عهد حاكمها وفارسها، رسمت لنفسها مكانا تحت الشمس وقريبا من القمر، وكيف لا وقد نهل مبدعها وصانع معجزتها من منهل لا ينضب، من روح وفكر زعيمين خالدين هما الشيخ زايد والشيخ راشد، رحمهما الله، فقد صنعا بفكرهما وإرادتهما معجزة الاتحاد.
فسلاماً على الباني والمنجز والقائد والفارس محمد بن راشد، والذي صار اسمه في العالم العربي يكسر اليأس ويرسم الأمل، لأجيال عربية خابت ظنونها بزعمائها وسياسييها الذين أشبعوها شعارات بائسة، وخدروها ستين سنة بأحلام فارغة انهارت في أول منعطف..
نصف قرن في عمر الشعوب العربية مقياس مؤلم للمقارنة، يكشف حجم الكارثة في عالمنا العربي قياسا بما تحقق في دبي رغم ندرة مواردها، وبين إمكانيات دول عربية امتلكت موارد عظيمة متنوعة، إلا أنها انتهت إلى خراب يباب.. إنها حقاً محنة القيادة في عالمنا العربي.
فلكم يا صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد تحيات التقدير، مقرونة بصادق الدعاء إلى الله العلي القدير، أن يمن عليكم ودولتكم العزيزة الإمارات العربية المتحدة، بكل عناصر القوة والعزيمة لمواصلة طريق الريادة والإبداع.. ولعمري فإن الزمان ربما يجود بأشياء كثيرة، إلا أن جوده بالفرسان والقادة دائما يبقى شحيحاً.