هل من علاقة ما بين الثروة النفطية الأميركية المكتشفة حديثا، وبين الأوضاع السياسية المضطربة في العالم العربي والشرق الأوسط، حيث منابع النفط الأهم في القرن العشرين حتى الساعة؟
وهل تلك الاكتشافات المثيرة يمكن أن تقود واشنطن إلى ترك دورها التقليدي في المنطقة التي تسيدتها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية؟
نحن أمام تساؤلين جوهريين، أولهما يتعلق بالاقتصاد والثاني بالسياسة، وإن بقيا متشابكين في كل الأحوال.
ماذا عن ثورة أميركا النفطية الجديدة؟
لعل الناظر إلى سنوات إدارة جورج بوش الابن الأولى، لا سيما بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، يستطيع أن يرصد كيف كان شاغله الأكبر هو "الخلاص من عبودية نفط الشرق الأوسط" على حد تعبيره.
غير أن سنوات بوش الثماني لم تسفر عن تغير يذكر، وامتد الحال إلى ولاية باراك أوباما الأولى، والتي أنفق فيها نحو مليار دولار على أبحاث الطاقة الأميركية البديلة.. أين المفاجأة إذن؟
الحديث الأميركي الدائر الآن، يتمحور حول اكتشاف أكبر احتياطي نفطي حول العالم لم يستغل حتى الآن، هذا المستودع الطبيعي موجود تحت جبال روكي بما يقارب 1000 قدم، ويحتوي على ما قدره تريليونا برميل من النفط، والعهدة هنا على الراوي صحيفة "وول ستريت جورنال".
البيان الأول الصادر من وزارة الطاقة الأميركية، جاء فيه باختصار غير مخل ما نصه "إن لدينا نفطا ضمن حدود بلادنا أكثر بكثير من كل الاحتياطيات الموجودة على الأرض".. هل هذا صحيح؟
بالفعل ذلك كذلك، إذ تعادل الكمية المكتشفة 8 مرات نفط المملكة العربية السعودية، و18 مرة نفط العراق، و21 مرة نفط الكويت، و22 مرة نفط إيران، وأخيرا 500 مرة نفط اليمن!
لا شك في أننا لسنا في معرض تفكيك هذا الاكتشاف علميا وجيولوجيا، أو تناول كيفية استخلاص ذلك النفط والغاز المصاحب له، من الصخور الطينية الأميركية في كولورادو وأوتاوا وغيرهما من ولايات وجبال أميركا، ذلك أن ما يهمنا هو الدلالات السياسية والاستحقاقات العالمية، المترتبة على ذلك الاكتشاف المثير.
تعني الاكتشافات الجديدة أن إنتاج أميركا النفطي ومنذ العالم 2008، ارتفع بنسبة 30% ليصل إلى ستة ونصف مليون برميل يوميا في ديسمبر المنصرم. ومع زيادة المكتشف واستخراجه، ستضحي أميركا بحلول العام 2016 الأولى في إنتاج الغاز حول العالم، وفي 2020 الأولى في استخراج النفط.
نحن إذن، أمام دفعة جديدة من سائل الحياة الصناعي، ربما يشدد من عزم أميركا على المضي قدما في طريق صبغ القرن الحادي والعشرين بصبغة أميركية مطلقة، كما تطلع إلى ذلك دعاة المحافظين الجدد منذ نهاية تسعينات القرن الماضي، لا سيما وأن المنافسين على الساحة الدولية غير قادرين على مجاراة أميركا اقتصاديا أو نفطيا.
ماذا عن الدول العربية والشرق أوسطية؟
بلغة الواثق المحتكم في الأمور، يتحدث الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى مجلة التايم الأميركية منتصف الشهر الماضي، بعد أن اختارته رجل العام، قائلا "هذا يعطينا حرية أكبر للحديث عن الشرق الأوسط الذي نريد أن نراه، والعالم الذي نريد أن نراه"... ما معنى تلك العبارة؟
حتما إن الاكتشافات الجديدة ستعطي الولايات المتحدة، وللمرة الأولى منذ العالم 1952، استقلاليتها لجهة الطاقة، وترفع عنها عبء الرضوخ وغض الطرف عما يجري في دول الأسواق النفطية غير الديمقراطية، فلا تعود منشغلة بتأمينها أمنيا أو سياسيا كما كان الحال قبلا.
هل يعني ذلك أن واشنطن ليست بحاجة إلى الشرق الأوسط أو أنها تفكر جديا في تركه وشأنه؟
ربما كان أفضل من تصدى للجواب عن السؤال المصيري المتقدم، هو "فيودور لوكيانوف" رئيس تحرير مجلة روسيا في السياسة العالمية، وعنده أن هناك عدة أسباب تجعل الرحيل الأميركي المطلق عن الشرق الأوسط، أمرا غير وراد إطلاقا حتى بعد الاكتشافات النفطية، ومنها:
الأول؛ بسبب وجود إسرائيل، إذ يعتبر ضمان أمن الدولة العبرية من الأولويات الثابتة لأي إدارة أميركية.
ثانيا؛ الخوف من أن تحتل الصين مكان أميركا وتضحي زبونا رئيسيا على صعيد شراء نفط الشرق الأوسط، وبكميات هائلة في حال كفت واشنطن عن استهلاكه.
ثالثا؛ الخوف من قيام دولة الخلافة الإسلامية، ورغم أن هذا الأمر يبدو مشكوكا في احتمال حدوثه في المستقبل القريب أو المتوسط، نظرا للتناقضات الحادة التي تفرق بين دول العالم الإسلامي، إلا أنه قد تتشكل نظريا ظروف في المستقبل، تساعد على تلاحم وتوحيد المسلمين "ضد العدوين اليهودي والمسيحي" المشتركين، بحسب لوكيانوف.
هل من خلاصة للمشهد المتقدم؟
الشرق الأوسط لن يفقد في يوم من الأيام أهميته ومكانته الاستراتيجيتين، حتى في حال انتفاء حاجة أميركا إلى موارده النفطية.
ومع ذلك فإن الاكتشافات النفطية الجديدة، تعطي واشنطن متسعا فسيحا جدا من الوقت لتدبر أمرها مع دول تلك المنطقة، ولاحقا تقرير توجهها نحوها بما يخدم مصالحها الإمبراطورية. ولهذا نرى سيناريهات غير مستقرة تجتاح المنطقة، ما بين ربيع ديمقراطي لم يجئ بعد، وشتاء يكاد يحل راديكاليا، فواشنطن تجرب خيارات عدة، والأرفع والأنفع لها مستقبلا ستدعمه، ولهذا فهي غير عابئة بمصير العرب والشرق الأوسط في اللحظة الآنية، مهما توافر له من نفط.
هل قرأ العالم العربي بعناية حديث تلك الاكتشافات؟ الذين يقرأون لا ينهزمون.