هل بدأ الربيع العربي يتحول إلى خريف؟

مرت سنتان على الربيع العربي والكل يتساءل عن ما الجديد وما المستجد وهل تحققت أحلام الشباب والفئات المختلفة من المجتمع. فمنهم من يرى أن الأوضاع كانت أحسن قبل الثورة ومنهم من يرى أن آليات الفساد والعبث بالمال العام والمحسوبية وسوء التسيير والإدارة انتقلت من أيادي فئة معينة في المجتمع إلى أياد أخرى.

ومنهم من يرى أن الوقت قصير للحكم على الثورات العربية سواء في تونس أو مصر أو ليبيا أو اليمن. فالمرحلة الانتقالية تحتاج إلى وقت معتبر للقضاء على رموز النظام وعلى التصرفات البالية وعلى الفساد وعلى الدهنيات السلبية ...الخ.

فماذا يمكن قوله في تقييم تجارب الربيع العربي وهل هذه الثورات تسير في الاتجاه السليم أم أن عملية التغيير والتطهير والتصحيح والقضاء على مخلفات الأنظمة السابقة الفاسدة يحتاج إلى أكثر من المظاهرات والاحتجاجات والإطاحة بالرؤساء كما يحتاج إلى عمل دؤوب وتخطيط وتنظيم وبحث وتفكير استراتيجي.

نسمع في الأخبار على سبيل المثال أن الحكومة في ليبيا أنفقت 4 مليارات دولار في عملية تأثيث المكاتب وأكثر من ثلاث مرات هذا المبلغ في دفع الرواتب. وبذلك فإن الربيع العربي في ليبيا ما هو إلا طريقة جديدة في ممارسة الفساد وهذا يعني أن الكلام عن التغيير كلها شعارات جوفاء لا أكثر ولا أقل، وأن الأمور أخذت منحى اخر غير ذلك الذي كان يحلم به الشباب الليبي.

من جهة أخرى نقرأ في الصحف أن صنعاء تعلن إحباط مخطط لتفجير منشآت عسكرية وأمنية وأن حزب المؤتمر الشعبي يحمّل الحكومة مسؤولية الاغتيالات. وهذا يعني بكل بساطة أننا بدلا من الولوج في مرحلة البناء والتشييد والتصحيح والحكم الرشيد والتخطيط الاستراتيجي دخلنا في نفق مظلم اسمه الاغتيالات والتفجيرات وتخريب المنشآت والبنية التحتية.

كما نقرأ في التقارير الصحافية أن مركز تونس لحرية الصحافة أعلن عن تعرض 36 صحافيا لانتهاكات خلال ديسمبر الماضي وهذا يعني أن المنظومة الإعلامية في تونس مقبلة على انتكاسة ومرحلة صعبة سواء بالنسبة للإعلام الحكومي أو الخاص.

وهذا ما يقوّض ويعيق حركة الشفافية والديمقراطية وإنجاح العملية الانتقالية. فالنظام الذي لا يتعامل بمهنية وبحكمة وبالقانون مع الصحافة لا يكتب له النجاح في التواصل الديمقراطي مع الشعب والمجتمع المدني والأحزاب السياسية.

من غير الممكن أن يكون عندنا ربيع عندما لا يكون هناك تكامل وتفاهم واحترام بين القوى السياسية في البلاد. فالاختلاف لا يجب أن يؤدي إلى الاعتداء على الاخر وسجنه وإقصائه والتخلص منه لكن على العكس يجب الاستفادة منه والاستعانة به من أجل إرساء قواعد الديمقراطية و الحكم الرشيد.

ما يحدث هذه الأيام في تونس بخصوص انتهاك الحريات الفردية وحرية التعبير والصحافة يثير مخاوف جمة بخصوص العملية الانتقالية وعملية البناء والتشييد التي تحتاج إلى شفافية وديمقراطية واحترام الآخر من أجل تجنيد مختلف طاقات البلاد من مختلف الأطياف والمشارب السياسية لبناء البلد والقضاء على الفساد وأسباب التخلف.

ما نلاحظه في دول الربيع العربي هو أن الفئة التي وصلت إلى الحكم تعمل على إقصاء كل الفئات الأخرى وتعتبرها قوى ظالمة ومن مخلفات النظام السابق لا فائدة من التعاون معها أو العمل معها أو الاستفادة من خبرتها وتجربتها. فمبدأ الاستفادة من القوى المختلفة في المجتمع وكذلك ثقافة الحوار والاختلاف تكاد تنعدم تماما.

وهذا يعني أن الأمور لم تتغير ولم تتحسن قيد أنملة وأننا خرجنا من نظام سلطوي، طاغ مستبد إلى نظام اخر لا يؤمن إلا بنفسه وبما يراه صالحا للأمة من خلال وجهة نظره وقناعاته. وهنا نلاحظ الفوضى الإعلامية التي تعيشها دول الربيع العربي حيث نلاحظ اختراقا صارخا لأخلاقيات المهنة ولمبادئ العمل الصحافي النزيه والشريف. فهناك افتراءات وقذف وتجريح وتشهير في شخصيات عامة وحتى في شخص الرئيس بدون حق وبدون أدلة.

كما نلاحظ التدخل في خصوصيات الشخصيات العامة وفي الاهتمام بتفاصيل تافهة الهدف من ورائها هو ليس البناء والتشييد والتصحيح والمصلحة العامة وإنما هو العمل ليل نهار من أجل إفشال الآخر والنيل من إرادته في تحقيق النجاح.

فنلاحظ هنا أن المنظومة الإعلامية بدلا من أن تكون منبرا للديمقراطية وللرأي والرأي الآخر أصبحت تتخبط في ثقافة النيل من الآخر وتصفية الحسابات والحقد والضغينة والتهويل والتضخيم. فأصبحت هناك فضائيات وصحف تتبنى طرفا معيان وهمها الوحيد هو المدح والثناء لهذا الطرف والشتم والقذف والتجريح للطرف الآخر. النتيجة الحتمية لهذه الظاهرة السلبية هي الهدم والتفرقة والتشتيت والقضاء على ثقافة الحوار .

ومن ثم على الديمقراطية. فالمنظومة الإعلامية بدلا من أن تكون المحرك الأساسي لثقافة التسامح وثقافة الحوار الوطني والاستفادة من الطاقات الوطنية بغض النظر عن انتماءاتها السياسية والدينية والأيديولوجية لإنجاح المرحلة الانتقالية والدخول في مرحلة جديدة مكملة لمرحلة الإطاحة بالاستبداد والدكتاتورية، نجدها تتبنى ثقافة مع هذا وضد الآخر وثقافة تصفية الحسابات والحقد والكراهية وزراعة الفتن والنزاعات والفوضى .

أما عن المعارضة في دول الربيع العربي فحدث ولا حرج؛ فالأمر هنا لا يتعلق بمعارضة هدفها النقد والمعارضة من أجل البناء والتشييد والتكامل مع الآخر وإنما همها الوحيد هو إقصاء الآخر لأنه خطر على الأمة.

بعد مرور سنتين على الربيع العربي الكل يتساءل هل يجب الانتظار أكثر وإعطاء وقت أكثر للحكومات الحالية للحكم عليها، أم أن الربيع ما هو إلا وهم وأنه بعيد المنال في ظل ما تعيشه دول الربيع العربي من فوضى سياسية وإعلامية وفساد مالي وإداري ومحسوبية وتصفية حسابات وانتهاكات للحريات الفردية والقانون.

 

الأكثر مشاركة