مصر للكل وبالكل.. مصريين وعرباً ومسلمين

جمعة هذا اليوم ليست ككل الجمع التي مرت على مصر خلال العامين الماضيين، بعد التغيير الذي أعقب انتفاضة الخامس والعشرين من يناير الشعبية.. اليوم وغداً، تقف مصر على مفترق طرق باعث على القلق والأمل معاً، بين استكمال عملية التغيير لتحقيق أهداف الشعب.

. أو استمرار الاستبداد بثوب جديد بشعارات دينية.. أو الانزلاق إلى الفوضى ـ الهدامة أو البناءة لا يهم ـ فشرور الفوضى لا يغفل عنها عاقل، ومخاطر الانقسام لا يتغافل عنها مخلص، لا في مصر العربية ولا في الوطن العربي ولا في الأمة الإسلامية.

فلا مصلحة لأي مصري أو عربي أو مسلم في مصر أو في دولة عربية أو في أي بلد إسلامي، في ضعف مصر أو غرقها في الفوضى أو انزلاقها إلى مستنقع العنف، بالصدام غير المطلوب بين التيارات الفكرية أو الدينية أو المذهبية أو السياسة، أو في المواجهة العنيفة بين السلطة بأدواتها الأمنية، والمعارضة بوسائلها الثورية، لأنه إذا كان هدف الثورة هو البناء فلا عائد من وراء الفوضى سوى الهدم، ولا نتيجة من الصدام سوى الدم،.

وهو مالا يتمناه لمصر عاقل وطني مصري أو عربي. إن قيمة ثورة يناير الشعبية كانت في وحدتها وفي سلميتها، وعدم استدراجها للعنف أو سقوطها في الفوضى، فالثورة غير الفوضى.. الثورة علم تغيير المجتمع، وفكر بناء المجتمع، وفلسفة صياغة المجتمع الجديد على أسس جديدة من الحرية السياسية والتنمية الاقتصادية، وصولاً إلى تحقيق العدالة الاجتماعية والكرامة الوطنية والإنسانية.

ولا علم بلا عقل، ولا فكر بلا حكمة، ولا فلسفة بلا رؤية لواقع وموقع الوطن المستقل مع دوائر محيطه القومي والإقليمي، ولواقع وموقع المواطن الحر ضمن علاقات مجتمعه. ولأن حقائق التاريخ إضاءة لفهم الحاضر في الطريق إلى المستقبل، ولأن ثوابت الجغرافيا أساسية لصنع السياسات الاستراتيجية.

وباعتبار مصر هي الدولة الكبرى في قلب الوطن العربي والقارة الإفريقية، وإحدى أهم الدول الإقليمية الكبرى في الأمة الإسلامية، فإن علاقة التأثير والتأثر المتبادل بين الأمن الوطني والقومي والإقليمي، طبيعية وجبرية ومصيرية وفاعلة، سواء أرادت مصر أو لم ترد، وسواء أراد محيطها أو لم يرد، فذلك قدر شعب مصر وشعوب أمتيها ومصيرهم المشترك.

ذلك أن نمو مصر واستقرارها بعدالة ودستورية وديمقراطية ومساواة، بما يجعل مصر لكل المصريين وخير الوطن لكل المواطنين، بلا إقصاء أو استئثار أو تمييز لصالح فرد أو جماعة أو طبقة أو حزب، على حساب عموم الشعب في المشاركة بحرية ومسؤولية في صنع القرار الوطني وفي عائد الثروة الوطنية، وفي صياغة حاضره ومستقبله، سواء في دستورها أو قوانينها أو سياساتها الداخلية، ليس ضرورة أمن وطني فقط، بل ضرورة أمن قومي وإقليمي أيضاً، لأن ما يحدث في مصر سلباً أو إيجاباً يؤثر بالطبيعة على محيطها العربي والإسلامي.

وقوة مصر بتوازن وعقلانية وحكمة سياستها الخارجية، بثوابتها المبدئية التاريخية التي ترى فيها جزءاً رئيسياً من الوطن العربي وأساسياً من الأمة الإسلامية، ومحورياً في المحيط الأفرو آسيوي، بلا تدخل في شؤون دولة شقيقة أو صديقة، ودون محاولة لتصدير ثورتها بوسائل غير مشروعة طبقاً للمواثيق الإقليمية أو الدولية، وهي ضرورة استراتيجية للأمن القومي والإقليمي، باعتبارها قلب المنطقة وحجر الزاوية فيها، ولهذا فإن ضعف مصر ضعف لمحيطها الإقليمي واختلال لتوازنه واستقراره.

لقد كانت القيمة الكبرى لزعماء مصر التاريخيين الكبار، من مينا موحد القطرين إلى رمسيس الثاني موحد الإقليم حتى عاصمة الحيثيين في تركيا، إلى محمد علي الذي وصل مصر بمنابع النيل الإفريقية وإلى الشام والحجاز الآسيوية، إلى جمال عبدالناصر الذي ربط موقع مصر الاستراتيجي مصيرياً بالدوائر الثلاث العربية والإفريقية والإسلامية، أنهم اكتشفوا عبقرية موقع مصر وقيمة شعبها وأهمية مكانها الجغرافي ومكانتها التاريخية، وأدركوا تلازم دورها الحضاري والتنموي مع واجبها الوطني والقومي، تعبيراً عن مبادئ ورسالة الشعب المصري دفاعاً عن مصر وعن أمتها العربية والإسلامية..

وبهذا، فإن فرداً أو حزباً لم يصنع وحده قدر مصر، لأنها أكبر من أي فرد أو جماعة أو تيار أو حزب، ولن يعاد بناء نهضة مصر إلا باستقلالها ووحدتها الوطنية ومشاركتها الشعبية، بالمسؤولية الجماعية والشراكة الوطنية، عبر حوار وطني حقيقي،.

وصولاً إلى ميثاق وطني أساساً لبرنامج عمل وطني يحقق الائتلاف وينبذ الصراع والخلاف، ويقيم دولة بالعدالة والمساواة لا مظلوم فيها ولا محروم، يعبر دستورها عن إرادة حقيقية لألوان طيفها الوطني، ويحظى بموافقة عموم شعبها، دولة تحترم سيادة قضائها وحرية إعلامها وكرامة شعبها ومهابة جيشها، وتحتكم إلى الحق والقانون في صياغة حاضرها ومستقبلها.

ولأن مصر هي الدولة الكبرى بين شقيقاتها العربية، والدولة المحورية بين شقيقاتها الإسلامية، وإحدى أهم الدول الإقليمية العربية والإسلامية الأربع الكبرى في الشرق، إلى جانب السعودية وتركيا وإيران، فإن لها حقاً وعليها واجباً.

إن ضرورات الأمن الوطني المصري، لا بد أن تتطابق مع متطلبات الأمن القومي العربي من الخليج إلى المحيط، في مواجهة التهديد الاستراتيجي الصهيو أميركي على المنطقة كلها، الساعي إلى خلق التناقض بين الأمن الوطني المصري، والأمن القومي والإقليمي، بهدف إعادة رسم الخرائط لتقسيم المقسم وتجزيء المجزأ. وهذا يتطلب استدعاء المشروع الاستراتيجي العربي، الذي يستلزم تكاملاً تنموياً وأمنياً بين دول "الوطن" العربي .

 

الأكثر مشاركة