نجاح أي علاقة زوجية لا يعني بالضرورة وجود الحب بين طرفي العلاقة، وفي الكفة الأخرى، فإن فشل أي علاقة زوجية لا يعني أبداً انعدام الحب بين الطرفين. كلام مختلف بعض الشيء، أليس كذلك؟ لعله كذلك فعلاً، ولذلك سأبين مرادي أكثر.
العلاقة الزوجية الناجحة هي معزوفة موسيقية رائقة، تعزفها فرقة قوامها الزوج والزوجة.
ولأن هذه العلاقة لا تتطلب أبداً أن يكون الطرفان في تطابق أو تماثل، بل على النقيض، لا تحتمل ذلك أبداً، تماماً كما الفرقة الموسيقية التي تستخدم آلات مختلفة دوماً، كي يمكنها أن تعزف شتى الألحان، فإن كلاً من الزوجين يمثل آلة موسيقية مختلفة.
قد يكون الزوج كماناً والزوجة قيثارة، أو أي آلات موسيقية أخرى يحلو لكم أن تتخيلوها، فيجمعهما رباط الزواج العظيم، ذلك اللحن المشترك الذي خُلق ليتماوج حول السعادة والاستقرار والرغبة المشتركة بالصفاء والنجاح على مر الأيام.. مع عزف كل واحد منهما لنصيبه من هذا اللحن.
يعزفان سوياً فيتحاوران ويتجاوبان، وقد يتماثلان هنا ويختلفان هناك، وقد يعلو أحدهما في هذا المقطع ليخفت الآخر أمامه بانسجام، ولعله يصمت برهة، ولكن يظلان دوماً في تفاهم وتكامل وإدراك كل طرف لدوره ومساحته، حتى ينجح هذا اللحن المشترك، فيسعدان ويسعد من معهما وحولهما. وفي اللحظة التي يحاول فيها أي طرف أن يعزف منفرداً، فإنه سيفسد اللحن بكامله، مهما ظن هذا الطرف أن عزفه جميل.
سأدع الموسيقا جانباً هنا، وأقول بأن عماد أي علاقة زوجية في المقام الأهم، وقبل كل شيء، هو وجود رصيد كاف من الذكاء الاجتماعي (أو ما يسمى الذكاء الوجداني أو العاطفي) عند الطرفين.
وأقصد بالذكاء الاجتماعي، قدرة الطرفين على إدراك المراد الأسمى من علاقتهما التي قررا أن يرتبطا من خلالها، وإدراك الأهداف المشتركة منها، وكذلك معرفة كل التحديات والصعوبات التي ستعترض مسيرتهما، سواء من داخل بيتهما، لسبب نابع منهما مباشرة، ربما كاختلاف الطباع أو الاهتمامات أو نمط التفكير، أو من خارج بيتهما، من أي مصدر كان أو لأي سبب كان، وأن يعرفا كذلك المكسب والخسارة من كل قرار وتصرف يتخذانه ويقومان به، تجاه هذه التحديات والصعوبات، وتجاه بعضهما البعض.
وهذا الذكاء يعني كذلك إدراكهما لحقيقة أنه قد لا يكون بإمكانهما السيطرة على المؤثرات والتحديات الخارجية في غالب الأحيان، ولكن بإمكانهما في الغالب الأعم أن يسيطرا على انفعالاتهما، وأن يتحكما في ردود أفعالهما، وأن يضبطا نفسيهما أمامها، فيحافظان بذلك على تماسك رباط الزواج المقدس بينهما.
من الذكاء الاجتماعي أيضاً، أن يدرك الزوجان أن ليس كل المساحات الحياتية ستكون مشتركة، بل يجب أن تكون هناك مساحات ثلاث.
المساحة المشتركة بطبيعة الحال، ومساحة الزوج الخاصة، ومساحة الزوجة الخاصة، وأن وجود المساحتين الخاصتين لا يتنافى مع مفاهيم الاستقرار والتفاهم والتكامل الزوجي، بل هي على العكس من ذلك تماماً، لأنها من الضرورات التي يحتاجها الطرفان كي يجددا نشاطهما، ويمارسا متطلبات ذاتهما النفسية والفكرية، فيخضرّان ويتجددان، ليعودا زاهرين مقبلين على العطاء في مساحتهما المشتركة من جديد.
علاقات زواج كثيرة استمرت في استقرار كبير وهناء، على الرغم من أنها لم تنعقد في بدايتها على أي رصيد من الحب المسبق، وحسبها أن قامت على رصيد كاف من الذكاء الاجتماعي، امتلكه طرفا العلاقة، أو ربما رصيد كبير جداً كان يمتلكه أحدهما على الأقل، لتنشأ بعد ذلك، ومع مر السنوات، مظلة المودة والمحبة والرحمة، فتظلهما من حرارة شمس الزمان..
وفي المقابل، فإن علاقات زواج عديدة فشلت وانقطع رباطها، على الرغم من وجود الحب المسبق بين طرفيها، لأنه كان ينقصهما الذكاء الاجتماعي الكافي، والحكمة اللازمة لإدارة دفتها وإيصالها إلى بر الأمان.
نعم.. لا شك أن الحب بين الزوجين مهم جداً، ولكنه يظل في قناعتي بمثابة تلك البهارات السحرية التي تضيف مزيجاً من الإثارة واللذة وشهقات الدهشة الدائمة، والصخب الطفولي الجميل للعلاقة الزوجية، ولكن لن يكون بإمكانه لوحده أبداً، دون وجود الذكاء والحكمة، أن يصمد بالعلاقة الزوجية في وجه التقلبات في محيط الناس وأمواج القيل والقال.
ليس أعظم من علاقة الزواج في حياة المرء يا أحبتي، فالزوج والزوجة يمكن أن يصبح كل واحد منهما الصديق والرفيق الأقرب للطرف الآخر، لو هو أراد ذلك وسعى له صادقاً، ويمكن أن يصبح كذلك خنجراً مغروساً في خاصرة الآخر، يزداد طعناً وإيلاماً على مر الأيام!.