في منتصف القرن المنصرم تحدث ذات مرة الزعيم الهندي الراحل "جواهر لال نهرو"، عن حال العالم في مواجهة المد الأميركي الهادر والسادر في غيه، بالقول: "نحن محاصرون في منافسة بين قوتين أميركيتين؛ واحدة شريرة غامضة تستعمل للتطويع والإخضاع وهي وكالة المخابرات المركزية الأميركية CIA، والثانية براقة وخداعة تستعمل للغواية والإغراء وهي هوليوود".. لماذا تنبه الزعيم الكبير لهذه الثنائية الأميركية؟ باختصار غير مخل، لانها تشكل تهديدا حقيقيا للعالم، ذلك أنه إذا فازت وكالة المخابرات المركزية في السباق للهيمنة على العالم، بات من المؤكد أن حريات الدول والأفراد والمؤسسات أضحت مهددة، أما إذا فازت هوليوود فساعتها ستصبح ثقافات شعوب كثيرة حول العالم، هي المعرضة للاختراق والطمس والتشويه.

لماذا الحديث الآن عن هوليوود وفتح أضابيرها المغلقة مع البنتاغون؟ الحديث عن تلك العلاقة ليس بجديد، لكن المتجدد هو ارتباط حدث نوعي وكمي مهم جدا في ولاية أوباما الأولى، أي اغتيال أسامة بن لادن، بخروج فيلم من هوليوود عنه. وعلامة الاستفهام في هذا المقام؛ هل كانت وزارة الدفاع الأميركية وراءه داعمة ودافعة لترويجه على الملأ؟ وإلى أي مدى تسربت معلومات أمن قومي أميركي لصناع الفيلم، استغلها الديمقراطيون في دعم حملة أوباما الانتخابية الثانية؟

عندما نستخدم لفظة هوليوود، فنحن نتحدث بالكناية عن السينما وصناعتها في الولايات المتحدة، والتي باتت عبر ستة عقود أو يزيد إحدى أهم أدوات القوة الأميركية الناعمة، التي روجت للنموذج السياسي والثقافي الأميركي.

والشاهد أن عددا كبيرا من المفكرين الأميركيين والعرب على حد سواء، قد لفتوا الانتباه إلى جدلية تلك العلاقة، وربما كان من أهمهم الراحل الكبير الدكتور "ادوارد سعيد"، ففي كتابة الشهير "الاستشراق" يجذر لأهمية التصورات الثقافية ودورها في تحديد طبيعة العلاقات الدولية.

والمؤكد تاريخيا أن السينما الأميركية، وعبر الصوت والصورة، قد نجحت بشكل كبير في المواجهة مع دول حلف وارسو خلال عقود الحرب الباردة، وربما نجحت في تحقيق تغييرات عجزت عنها وكالات الاستخبارات الأميركية.. ماذا يعني ذلك؟ ربما يفيد بأنه بات لازما على كل ناظر وباحث لفهم أبعاد السياسة الخارجية الأميركية، أن يرصد بعين فاحصة محللة ومدققة، أفلام هوليوود وما ورائيات التسلية والترفيه، فهي ترسخ في أذهان المشاهدين حول العالم، أنماطا من السلوك عن شعوب وقبائل ودول، ومن يتعمق في النظر إلى عدد من الأفلام الأميركية، يدرك كيف أن صورة العربي - على سبيل المثال ـ التي قدمتها هوليوود منذ عقود طوال، كانت ذات رابط وثيق مع تقلبات السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأميركية في الشرق الأوسط بنوع خاص.

هل كان البنتاغون وراء فيلم بن لادن الأخير، في محاولة لا تخطئها العين لاستخدام هوليوود، ومن جديد، في الحرب الأميركية الدائرة ضد الإرهاب؟

مؤخرا كان رئيس لجنة الأمن الداخلي في مجلس النواب الأميركي، الجمهوري بيتر كينغ، يعرب عن خشيته من أن تكون المخرجة وكاتب سيناريو الفيلم اللذان التقيا مسؤولين كبارا في وزارة الدفاع، قد تمكنا من الحصول على عناصر من هذه العملية المصنفة "سرية للغاية".

والثابت أن الفيلم لم يحظ بتعاون من وزارة الدفاع، باستثناء لقاء استمر 45 دقيقة بين المخرجة كاثرين بيجلو وكاتب السيناريو مارك بول ومسؤول المهمات الخاصة في البنتاغون "مايكل فيكرز"، من أجل عرض عام، إلا أن ما يجري الآن من تحقيقات في البنتاغون، ربما سيكشف عن تسريبات كانت تهدف إلى خروج الفيلم في أكتوبر الماضي وقبل انتخابات الرئاسة..

ويعزز من هذه الشكوك ما أشارت إليه وكالة المخابرات المركزية الأميركية بدورها، في رسالة نشرت بتاريخ 8 نوفمبر الماضي، تؤكد فيها أنها تستعد لوضع سياسة ترمي إلى الإشراف على علاقاتها مع العاملين في صناعة السينما. مهما يكن من أمر فيلم بن لادن، فإن قضية هوليوود تمثل أحد أضلاع المثلث الأميركي الشهير، مع البيت الأبيض ووزارة الدفاع، وثلاثتهم يشكلون الأداة الضاربة لفكرة الهيمنة على العالم، بوجهيها العسكري والثقافي.

هل كان للمشروع العسكري الأميركي أن ينتشر حول الكرة الأرضية دون هيمنة ثقافية CULUTRUAL HEGEMONY تدعمه وتعزز صورته المرئية في عيون البشر في شرق الأرض وغربها؟ بالقطع ما كان له هذا النجاح لولا المرائية الهوليوودية، التي صورت أحيانا مآسي فيتنام على أنها تضحيات الرجل الأنجلو ساكسوني، والتي بررت الجرائم العسكرية الأميركية وفي مقدمتها إسقاط قنبلتين نوويتين على هيروشيما وناغازاكي، باعتبارها أداة للخلاص من ديكتاتورية الإمبراطورية اليابانية. أما عن المشاهد الداعمة لإسرائيل في حروبها مع العرب فحدث ولا حرج..

تقول الأنباء التي تسربت غداة 11 سبتمبر، إن بوش الابن أرسل مستشاره الذي كفل له دخول البيت الأبيض، الطفل المعجزة "كارل روف"، لهوليوود طالبا المساعدة من مخرجيها في تصميم سيناريوهات الحرب على الإرهاب.. والآن، بعد الخلاص من بن لادن، هل سنرى هوليوود تقدم لنا الشر في ثياب الآسيويين الصفر، باعتبار أن صراع أميركا القادم سيكون مع الصين بوجه خاص؟