مبادرة جديدة وأفكار قديمة

لم تكن تصريحات رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، المتكررة مؤخراً حول التزامه بالسلام مع الفلسطينيين، فقط من باب العلاقات العامة، ولا تقرباً من كتلة يائير ليبيد، التي تحوز تسعة عشر مقعداً في الكنيست التاسع عشر، وإنما هي فوق ذلك وقبل ذلك، محاولة لترطيب الأجواء الجافة بينه وبين الرئيس الأميركي باراك أوباما وإدارته الجديدة.

لقد أكد نتنياهو خلال السنوات السابقة، بالممارسة العملية، عمق عدائه للسلام ورفضه لرؤية الدولتين، وخلال الحملة الانتخابية التي جرت الشهر الماضي، خلا برنامجه من أي اهتمام بالملف الفلسطيني، لكن فوز كتلته الضعيف في الانتخابات (32 مقعداً) جعله، كي يفوز بتشكيل الحكومة الجديدة، مضطراً للعب على وتر الالتزام بالسلام، وتلبية أولية للشرط الذي أعلنه ليبيد، الذي اشترط للانضمام للحكومة التزامها بالسلام، ولعلمه بالتوجهات الجديدة للإدارة الأميركية تجاه هذا الملف.

نتنياهو يدرك أن تعيين جون كيري وزيراً للخارجية الأميركية، يشكل طالع سوء بالنسبة له، فلقد كان كيري من بين المنتقدين كل الوقت للاستيطان الإسرائيلي، وفي تصريحاته الأولى بعد تعيينه، قال إن السلام في الشرق الأوسط يشكل واحدة من أولويات الإدارة الأميركية الجديدة.

قبل ذلك، وبعد انتخاب الرئيس الأميركي في نوفمبر الماضي، كان معهد داني ابراهام للسلام في واشنطن، قد طلب من معهدي داحف وراني سميث للاستطلاعات، إجراء استطلاعين منفصلين حول موقف الجمهور الإسرائيلي من اتفاق سلام، وقد نشرت نتائج الاستطلاعين في جريدة "هآرتس" الإسرائيلية بتاريخ 31/12/2012. الاستطلاعان توجها إلى مصوتي "الليكود- بيتنا"، وحزب البيت اليهودي، وإلى الشارع العام، وطرحا أسئلة متكررة، وتم إجراؤهما بالتزامن، وقد جاءت النتائج متقاربة إلى حد كبير.

حسب استطلاع معهد داحف فإن 58% من مصوتي الليكود يؤيدون و25% يعترضون على اتفاقية السلام، وحسب معهد سميث 58% يؤيدون و34% يعترضون في ما يتعلق بمصوتي البيت اليهودي. وحسب معهد داحف 53% يؤيدون و43% يعترضون، وحسب سميث 47% يؤيدون و45% يعترضون. التصويت بالنسبة للجمهور الإسرائيلي جاء حسب معهد داحف ليشير إلى أن 67% يؤيدون و21% يعترضون، أما حسب معهد سميث فإن 68% يؤيدون و25% يعترضون.

السؤالان الأساسيان اللذان تضمنهما الاستطلاعان هما، أولاً: إذا طرحت حكومة إسرائيل على الاستفتاء الشعبي اتفاق سلام يضع حداً للنزاع الإسرائيلي- الفلسطيني، بعد أن يؤدي الفلسطينيون كل واجباتهم مع التشديد على مكافحة الإرهاب وتقر الأمر الولايات المتحدة، هل تؤيد أم تعارض؟

وقد تضمن السؤال مبادئ الاتفاق على النحو الآتي: إقامة دولتين؛ إسرائيل للشعب اليهودي، وفلسطين للشعب الفلسطيني، ويكون للاجئين الحق في العودة إلى دولتهم الجديدة. الدولة الفلسطينية مجردة من السلاح وبلا جيش، الحدود على أساس 1967، بما في ذلك تبادل متساوٍ للأراضي من حيث الحجم، يراعي الاحتياجات الأمنية الإسرائيلية، وتبقى الكتل الاستيطانية الكبرى ضمن السيادة الإسرائيلية.

السؤال الثاني حول القدس، ويتضمن أن تكون الأحياء اليهودية تحت السيادة الإسرائيلية والأحياء العربية تحت السيادة الفلسطينية. البلدة القديمة بين الأسوار بلا سيادة، وتدار بشكل مشترك من قبل الولايات المتحدة وإسرائيل والفلسطينيين، والأماكن المقدسة تكون بإشراف ديني.

في الواقع، فإن هذين السؤالين يقدمان مقاربة منطقية للموقف الأميركي، وبما يأخذ في الاعتبار الوقائع على الأرض التي رسختها السياسة الإسرائيلية، وهي مقاربة تتطابق أيضاً مع ورقة الضمانات التي قدمها الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الابن لشارون، في الرابع عشر من أبريل عام 2004.

ثمة إشارات كثيرة إلى أن الولايات المتحدة تدعم مبادرة أوروبية للسلام يجري التحضير لها، وتنتظر تشكيل الحكومة الإسرائيلية، قد تنتهي إلى مؤتمر دولي جديد، تدعى إليه أيضاً دول الخليج بالإضافة إلى عدد من الدول العربية والأجنبية، على غرار مؤتمر أنابوليس.

وتشير المعطيات إلى أن الإدارة الأميركية، قد أعطت الضوء الأخضر للاتحاد الأوروبي لكي يطور دوره إزاء ملف السلام، ولذلك لاحظنا أن الاتحاد الأوروبي رفع مستوى انتقاداته للمخططات الاستيطانية الإسرائيلية، الأمر الذي تجنبت الخارجية الإسرائيلية التعامل معه بالصفاقة التي تعودت عليها في أوقات سابقة، مما يشير أيضاً إلى أن إدارة أوباما تريد من ناحية معاقبة نتنياهو، لكي تتجنب من ناحية ثانية ضغوط اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة.

في هذا الإطار، من المتوقع أن يصل وزير الخارجية الأميركي الجديد جون كيري، إلى كل من تل أبيب ورام الله، والذي سيحضر لزيارة في الربيع أعلن البيت الأبيض أن الرئيس أوباما سيقوم بها، وسيكون ملف السلام هو الملف الرئيسي للزيارتين.

من الواضح أن كيري سيقوم بتحضير الميدان مع الإسرائيليين والفلسطينيين، والأرجح أنه سيكرر ما فعله وزير الخارجية السابق جيمس بيكر، الذي أرغم رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق اسحق شامير على حضور مؤتمر مدريد للسلام في أكتوبر عام 1991.

على الجانب الآخر، استخدمت الولايات المتحدة نفوذها، بممارسة ضغط مالي على السلطة الفلسطينية، من أجل منعها من التوجه بملف الاستيطان إلى المحاكم الدولية، ومن أجل الحصول على موافقتها الأولية، ولذلك فإن السلطة توجهت بملف إلى مجلس حقوق الإنسان الذي أصدر تقريراً يعتبر الاستيطان غير شرعي، ولكن دون أن تكون لتقريره وقراره، القوة الكافية للتأثير العملي على إسرائيل.

ويبدو أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لم يعودا يعترضان على المصالحة الفلسطينية، التي يشكل إنجازها بالآفاق المطروحة، فصلاً مهماً من فصول التحضير للمبادرة السلامية الجديدة، وحتى لا تؤدي معارضة حماس القوية إلى تعطيل القرار الفلسطيني المطلوب بالاستجابة لتلك المبادرة الموعودة.

في هذا الإطار سيترتب على مصر الإخوانية أن تلعب دوراً في تلطيف الموقف السياسي لحركة حماس، وقد بدا ذلك واضحاً من خلال التصريحات المتكررة التي صدرت مؤخراً عن مسؤولين في حماس، تشير إلى موافقتهم على حل يؤدي إلى قيام دولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو 1967، ودون الإشارة إلى أية اشتراطات.

 

الأكثر مشاركة