دول الربيع على سطح صفيح ساخن

ت + ت - الحجم الطبيعي

يوم الاثنين الماضي مرت الذكري الثانية لتنحي الرئيس المصري السابق حسني مبارك دون احتفالات شعبية، بل بموجة مظاهرات واحتجاجات غاضبة، وأعمال عنف مدانة في القاهرة وبعض المدن المصرية، وما يلفت النظر هو ترديد المتظاهرين للشعار نفسه الذي رفعه أولئك المتظاهرون في بداية الانتفاضة المصرية "الشعب يريد إسقاط النظام"، برغم غياب الحشد الشعبي المليوني، في اليوم نفسه الذي توهم الكثيرون فيه أن النظام السابق قد سقط!

ومعنى ذلك أن هناك انقساماً في الرؤى والمواقف بين قطاعات الشارع المصري السياسي والشعبي، ففي حين ترى أحزاب الموالاة كجماعة الإخوان المسلمين وحزبها السياسي وأحزاب الإسلام السياسي أن النظام السابق قد سقط وأن "الثورة" نجحت بوصول إخواني إسلامي إلى الحكم بالانتخاب وأن عملية إعادة بناء المؤسسات قد بدأت بطريقة شرعية برغم الطعون القانونية على شرعيتها أمام المحكمة الدستورية العليا، وأن ما تقوم به المعارضة هو صراع على السلطة.

ترى أحزاب المعارضة وقطاعات شعبية وحركات شبابية أن النظام السابق بسياساته واستبداده لم يسقط بعد، بل أن ما جرى هو التفاف على الثورة واستبدال لمبارك بمرسي وللحزب الوطني بالحزب الإخواني، مع بقاء السياسات القديمة نفسها التي ثار الشعب عليها قبل عامين لتغييرها.

بينما هي لم تتغير إلا إلى الأسوأ داخلياً وخارجياً سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، وأن شرعية الحكم قد سقطت بالانقلاب على الدستور وعلى أحكام القضاء وبسقوط العشرات من الشهداء، مما لا يستدعي الاحتفال بل مواصلة الاحتجاج والانتفاض لتحقيق أهداف الثورة!

هذا المشهد الساخن المضطرب في مصر، يكاد يتكرر بمشكلاته الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في تونس التي كانت بداية سلسلة التغييرات الدراماتيكية السلمية والدامية في دول ما يسمى بالربيع العربي.

والذي زاد اشتعالاً بعد اتخاذ العنف أسلوب الاغتيال الدامي لمعارض بارز، فاشتعلت المظاهرات تنادي بالشعار نفسه الذي بدأ من تونس "الشعب يريد إسقاط النظام"، إضافة إلى هتافات ضد حزب النهضة الإسلامي بعد عامين تقريباً على الانتفاضات الشعبية تحت علم "الثورة"، السلمية في تونس ومصر، المهددتان بالانزلاق إلى العنف!

وإذا كانت عملية التغيير في ليبيا قد جرت بدموية ومأساوية، وبتدخل عسكري أجنبي مباشر من دول الناتو بما خصم الكثير من مشروعية الثورة، وما زالت آثارها السلبية والأمنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية تحتاج إلى سنوات لتجاوز جراحها وآلامها، فإن تجربة التغيير في سوريا، لم تسر على النهج السلمي الذي نجح في تونس ومصر في أيام.

وإنما كان محاولة لم تنجح في عامين لتكرار السيناريو المأساوي الليبي، رغم التدخل العسكري الأجنبي غير المباشر لدول الناتو، لصلابة الموقف الروسي والصيني، لكنه نجح فقط في الاقتتال الأهلي الدامي الأكثر مأساوية إنسانية، بما يهدد بإسقاط الدولة والنظام معاً!

ولا تزال الأزمة السورية بعد عامين من اندلاع الاقتتال الآثم بين الجيش السوري والمعارضة المسلحة من جماعة الإخوان المسلمين والجماعات السلفية المقاتلة من خارج وداخل سوريا، هي الملف الرئيسي على كل المؤتمرات والمنظمات الدولية، ورغم كل القرارات والمبادرات والمناورات الإقليمية والدولية إلا أنها جميعاً لم تنجح لا في إسقاط النظام السوري بالحل العسكري.

ولا في إتمام التغيير الديمقراطي بالحل السياسي، خصوصاً مع تراجع الموقف الأميركي، لكن هناك من يريد استمرار نزيف الدم السوري واستنزاف قوة جيشها لغرض في نفس "يعقوب" بفتح الطريق لإسرائيل، لأن المطلوب إسقاط سوريا الدولة وليس إسقاط نظام سوريا!

وهذا ما يقوله وزير الأمن الإسرائيلي السابق آفي ديختر في محاضرته بمعهد الأمن القومي الصهيوني عام 2008 في استعراضه لخطط إسرائيل في العراق والسودان ومصر وسوريا وغيرها قبل بداية هبوب رياح "الفوضى الخلاقة" تحت علم الثورة في دول المواجهة ضد إسرائيل ويمكنك المقارنة بين ما خططت له إسرائيل بدعم أميركي وما جرى ويجري الآن في سوريا بما يحقق أهداف الأعداء!

قال ديختر فيما لخصه الكاتب الكبير فهمي هويدي: "أما سوريا فإنها غير جادة في التوصل إلى سلام مع إسرائيل، وأن خيار استخدام القوة ضد سوريا يؤيده قطاع عريض من القيادتين السياسية والعسكرية. بالمخالفة لرأي أولمرت الذي يرى التفاوض معها يخدم إسرائيل في مواجهتها لإيران وحزب الله بعزل سوريا عنهما.

محدداً خيارات ثلاثة متاحة للضغط على سوريا، أولها استراتيجية «شد الأطراف» التي كانت مطبقة منذ الخمسينات، وبمقتضاها لعبت تركيا دوراً مهماً في الضغط على سوريا، والخيار الثاني يتمثل في استخدام الساحة اللبنانية للضغط على سوريا، وحسب كلام ديختر فإن لإسرائيل أصدقاء في لبنان على استعداد للقيام بهذا الدور، لكنهم لا يريدون الكشف عن العلاقات التي تربطهم بتل أبيب ومع واشنطن وباريس.

والخيار الثالث بالتعامل مع المعارضة السورية في الخارج، وتكرار تجربة إسرائيل مع المعارضة العراقية، حين ساندتها سياسياً ودعائياً ووفرت لها الدعم المالي الأميركي كما دربتها عسكرياً لاستنزاف الجيش، وهو الأسلوب نفسه الذي اتبع مع بعض القوى المعارضة في السودان ولبنان، وقال ديختر إن «شد أطراف» الساحة السورية ممكن عبر الأردن ولبنان وكردستان العراق.

ويبدو أن هذا أيضاً هو المطلوب إسرائيلياً للجيوش العربية في دول الربيع التي شاركت جيوشها جميعاً بالدور الأساسي في الحرب ضد إسرائيل عام 73 لتحرير الأراضي العربية المحتلة.

فبطريق الغزو من الخارج، تم احتلال العراق العمق الاستراتيجي للجبهة السورية في حرب رمضان، وتم تحطيم الجيش العراقي بحلف الناتو، وبالغزو من الخارج والداخل، تم ضرب ليبيا العمق الاستراتيجي لمصر في تلك الحرب بقوات الناتو وتحطيم الجيش الليبي، وبالغزو من الداخل تم إشاعة الحروب الأهلية والانفصالية لتقسيم السودان العمق الاستراتيجي للجبهة المصرية في حرب رمضان.

ثم جاء الدور على شريكي حرب رمضان الرئيسيين مصر وسوريا، وبالغزو من الداخل عبر استمرار الاقتتال وبالتهديد العسكري الصهيو أميركي تجري محاولة غزو سوريا وتحطيم الجيش السوري، كما تجري محاولات استفزاز مفتعلة لاستدراج أو توريط الجيش المصري للاشتباك الداخلي، بما يخصم من القوة العربية دروعها وسيوفها ليفتح الباب للصوص لاقتحام الديار، وللسيطرة الصهيو أميركية على الأمة العربية والإسلامية.

 

Email