كان لقاءً استثنائيا من الدرجة الأولى، وفيضاً من دروس التجربة الحياتية والعملية، لقائد اعترك الحياة في جميع أشكالها، ناهلاً من نهج مدرستي المغفور لهما زايد وراشد، وماضياً في مسيرة خليفة قائد الركب وربان السفينة.. لقاءً يفتح أبواب المستقبل لمن يسمع ويبصر، ويضيء الطريق للسير نحو الهدف الذي تصبو إليه قيادتنا. إنه لقاء تلاقي الأفكار الخلاقة التي أقامت وطناً نعتز به، لقاء التحفيز والتشجيع والدفع نحو النجاح وريادة القمة، لقاء التفاؤل والتطمين والشفافية والمصداقية، لقاء المباشرة والمكاشفة بين القائد والشعب ممثلا في قيادات المؤسسات المختلفة.. اللقاء التاريخي ضمن سلسلة لقاءاته الدورية بالمسؤولين والمواطنين والمقيمين.
وكعهده في مثل هذه اللقاءات، فقد نجح بجدارة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، في التحليق بنا إلى عوالم الإيمان بحب الوطن والعمل من أجله وشعبه، واحترام الإنسان، وذلك انطلاقا من أن الإنسان يشكل محور رسم السياسات والاستراتيجيات المستقبلية.
بحديثه هذا ملكنا سموه مزيداً من الثقة في أنفسنا لمواجهة التحديات، التي وصفها في قاموسه بمحفزات الإنتاج ومعول الإصلاح في مسيرة البناء والتنمية. تلك بضعة دروس من كتاب الأمس الذي لم يبخل سموه في فتح صفحاته علينا، بعفوية وحس إنساني موروث، وبتلقائية أضفت مسحة من التلاقي والتمازج بين أفكار القائد وشعبه.
فنون الخطابة ومهارة الأداء
لقد استطاع سموه وكعادته في مثل هذه الملتقيات، أن يرسم لوحةً فنيةً خطابية خاصة به أثناء الحوار، أدهشت الحاضرين وشدت إليه انتباههم طوال ساعتين من الزمن مضتا سريعتين دون أن يحس بهما الحضور المحتشد. فقد مزج سموه رسائله وتوجيهاته الجدية بقفشات فكاهية طريفة، وسردٍ شيقٍ لقصص وتجارب شخصية أسبغت على حديثه نكهة جمالية وصدقية زادت من عنصر التشويق والانتباه لدى السامعين، وأوصلت الرسالة واضحة جلية لتسكن أعماقنا جميعاً دون لبسٍ ولا غموض.
وكان واضحا في حديث سموه، مخاطبته للواقع وما يختلج في نفوس الحضور من قضايا وموضوعات تهم حياتهم ومستقبل أجيالهم ووطنهم، ليلقى حديثه آذاناً صاغية تعي ما سمعت وتبصر ما بين السطور من رسالة القائد المُلهِم.
لقد انعكس إيمان سموه العميق وصدى قوله إيجاباً، على الحضور الذي خرج بدروس ممتعة ونادرةِ في فنون الإدارة والقيادة واستراتيجيات التميز والتخطيط وأساليب المحاسبة والتقييم والتشجيع. كما أن ثقته في ذاته وهو يتحدث بالدليل والبرهان والأرقام والتواريخ، ومعرفته بتفاصيل الموضوعات المطروحة للنقاش، اجتذبت إليه الأسماع وأصغت إليه الأفئدة.
مضت الساعات كالدقائق من عمر الزمن في الحوار مع سموه، وكأن سموه قد جلس على انفراد مع كل واحدٍ منا، يخاطبنا بلغة بليغة انتهج فيها أسلوب السهل الممتنع مستخدماً كل فنيات الخطابة الحديثة، ويجول بنظراته الذكية على الحضور حتى يعتقد الجالس أنه الأوحد المعني بالخطاب، إنه فن الخطابة الذي أوهبه الله إليك.
لقد كان لحديثك صدى كبير في قلوب الجميع، نظراً لارتباطه بأفعالك، مما جعلنا نمضي خلف رؤاك وفكرك الثاقب، لنحقق معا رؤية قائدنا رئيس الدولة حفظه الله، الحريص على رفاهية شعبه ونمائه.
لقد اتصف حديثك بصدقية الوعود وطرح الأدلة والبراهين في كل ما تقول، ولقد أثبت أمام الجميع أنك تفي بالوعود وتحترم العقول، وما قبولك لدعوة الطفلة التي طلبت منك أن تقوم بزيارة مدرستها ببعيد، إذ وعدت بالزيارة في الأسبوع التالي معتذراً عن التلبية الفورية نتيجة لانشغالك. وبذلك أعطيت درساً للحضور باحترام الإنسان بشكل عام والمواطن بشكل خاص، حتى وإن كان طفلا صغيرا، مع السرعة في تلبية الدعوة.. تلك بعض من النماذج الأخلاقية التي ينبغي على القائد التحلي بها.
وظلت الجلسة الحوارية منتظمة لا يريد أحد لها نهاية، لحكاياتها الجميلة وقصصها المشوقة، وكأننا نستمع لسموه أول مرة على الإطلاق. فمضى الجميع فور انتهاء اللقاء ينشدون نقل ما سمعوه إلى من حولهم، لتتعمق بذلك توجيهات القيادة وتدور عجلة الإنتاج والعمل من جديد.
كم كان آسراً للنفس وملفتاً مخاطبة سموه للأشخاص بأسمائهم أثناء إجاباته وردوده على أسئلتهم، مستبقاً الإجابة بوجهِ سمح تعلوه ابتسامة ظللت القاعة بحميمية محببة، خلقت أجواءً رائعة من الألفة يصعب وصفها إلا في وجوه الحضور المستبشرة بسماع القائد.
خاطبَ سموهُ السائلين كل حسب مستواه العمري، دون إنقاص حقه من التقدير والإجابة المقنعة والشافية، إذ تراوحت أعمار السائلين ما بين الطفولة والكهولة، ولم يبخس أحدهم حقه في الرد والاستبانة. وليس ببعيد مخاطبته لأحد الأطفال الذي سأل عن كيفية تعلم مهارات الفروسية، فقد كان جواب سموه أبوياً وتربوياً بالدرجة الأولى، مقدماً سموه النصح للطفل السائل بضرورة احترام الوالدين والمثابرة في الدراسة، فقد ربط سموه ما بين صلاح الطفل لوالديه واجتهاده في تحصيله الدراسي وصلاحه لوطنه.
وقد خاطب الواقع بتجرد صادق، أكد فيه أن الدولة لا تحاسب أحدا مكلفا إلا بعد أن توفر له كافة مقومات النجاح، والتي تجعل من المشروع المكلف به ممكن التنفيذ، وأن طلب سموه لارتياد الصدارة والمراكز الأولى لم يأتِ إلا بعد توفيره لكافة أسباب الوصول إلى ذلك الهدف.
لقد أعطى سموه الأمان لأبناء شعبه العاملين في مؤسسات الدولة، مؤكداً أن الوقوع في الخطأ أمر طبيعي إن لم يكن متعمداً ولا مقصودا. وبهذا القول فقد منح سموه الأرضية الواثقة لأبناء شعبه، ليعملوا في بيئة هادئة ومريحة تحقق الإبداع والتميز، وليمضوا في الطريق لا يخشون أمرا، بل ينظرون بشوق وعشق إلى مقدمة الصفوف ومراكز التتويج التي خبروها عند قيادتهم.
إن عدم اعتراف سموه بكلمة المستحيل، قد وضع على أكتافنا مسؤولية كبرى للعمل بجد وإخلاص، لمواجهة التحديات وتجاوز الصعاب والمساهمة في نهضة الوطن، في الوقت الذي منحنا معاول الإنتاج وآليات الإنجاز... ونحن بإذن الله على الدرب سائرون، يداً واحدة خلف قيادتنا، لا نخذُل ولا نفشل، ليبقى هذا الوطن الذي صنعه عرق الرجال عالياً بين الأمم.
لا عمل دون تحديات ومخاطر
كل جهدٍ مخلص وعمل جاد ينطوي على مخاطر وتحديات تكون بمثابة المحفز، بهذه النظرية المجرَبة يؤمن سمو الشيخ محمد بن راشد، ويؤكد أن من يخشى المخاطر سوف لن يبرح مكانه إلى الأمام... وهذه رسالة تحمل فحوى تحفيزياً مهماً لكل إنسان طموح ينظر للحياة بتفاؤل لا يتوقف عن المسير، مهما كثرت الصعاب وظن الإنسان أن الطريق عليه قد سُد.
إنها رسالة جادة للقائمين على أمر مشاريع استراتيجية حيوية، للمضي قدماً ودون خوف أو تردد نحو التنفيذ، ما دام أن الدراسات الفنية أثبتت نجاح الخطوة أو المشروع. لقد سرى هذا الفكر وتنزل بقوة في نفوس الكثير من قيادات العمل في الدولة، إيماناً منهم بفكر ورؤية محمد بن راشد، لنشاهد الإنجاز والإعجاز الذي شمل الدولة وترك أثره الإيجابي على كافة مناحي الحياة، لتكون النقلة النوعية التي نعيشها اليوم.
فبقهرنا للتحديات، وتذليلنا للعقبات من خلال العمل الجاد والمخلص، نستطيع صعود الجبال والارتقاء بوطننا إلى ما ننشده جميعاً وتنشده قيادتنا. كيف لا، يا صاحب السمو وأنت الذي وضعت نصب عينيك نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم قدوة لنا جميعاً، نتمثل أفعاله ونتبع طريقه في العمل والإخلاص والتفاؤل والإتقان والمحبة والإخاء. إن دعوة سموه لمزيد من توسيع قاعدة التعليم، تنطوي على نظرة مستقبلية بمشروع التوطين وترتبط به ارتباطا وثيقاً، إذ لا يصلح التوطين الحقيقي إلا بسواعد وطنية كفؤة ومؤهلة لضمان استمرارية التقدم والازدهار. فقد وجه سموه أثناء الجلسة وزير التربية والتعليم برفع عدد المتدربين في السلك التعليمي إلى 20 الف متدرب، بدلاً عن 12 ألفا حسب خطة الوزارة الموضوعة، وذلك لتسريع النتائج والوصول إلى مستويات الجودة المطلوبة في التعليم، واكتساب الخبرة لقهر التحديات والصعاب، وبالتالي الوصول إلى عملية التمكين والتوطين.
الحس الوطني الجامع
لقد أثبت سموه وبشكل عملي، أنه رجل اتحادي من الطراز الأول، يرى مصلحة الوطن في وحدة مشاعر أبنائه وتعاونهم وتنسيقهم مع بعضهم البعض، والاستفادة من التجارب والخبرات المبدعة لبعضهم. فقد جمع المؤسسات الاتحادية والمحلية تحت مظلة واحدة، ونصح الجميع بضرورة التعاون والتكاتف من أجل مصلحة الوطن وتطبيق رؤية القائد صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، الساعية لتلبية احتياجات أبناء وبنات الوطن؛ من تعليم، وتدريب، وتوظيف، لضمان حياة كريمة ومستقرة. إن هذه اللقاءات تلعب دوراً هاماً في ربط المسؤولين في الإمارات المختلفة بعضهم البعض، وتعضد من لحمة الوحدة؛ وحدة المشاعر والاتجاهات، تحت مظلة القائد.
بل إن سموه قد أثبت انحيازه للوحدة العربية والإسلامية، مثمناً دور الدول العربية وتاريخها في الإنجاز والتنمية، ومحترماً لسياساتها التي تنتهجها. إنه الدرس الآخر الذي نتعلمه منه، وهو التواضع أمام الذين سبقونا في التنمية من الدول العربية، وتثمين دورهم في نهضة هذا الوطن، ولو أن البعض منهم قد تأخر عن ركب التقدم لعدم استجابة قيادتهم لتطلعات ورغبات شعوبهم.
وقد أشار سموه إلى حبه للشعر ونظمه، وكذلك للرياضة وممارستها، وكيف أن الشاعر يرى بحسه الجمالي ما لا يراه الآخرون.. إنها الحقيقة التي شهدناها في مسلكك اليومي، إذ إن لك رؤية خاصة في النظر إلى الأمور المختلفة. لقد منحك الشعر النظر إلى الحياة بتفاؤل عميق، أردته أن ينعكس على شعبك أمنا وسلاماً وازدهارا.
من المؤكد أن محاولاتي لقراءة ما بين السطور لحديث سموه وتحليل مضامينه، لم ولن تكتمل مهما حاولت الاجتهاد والغوص في أعماقه، ذلك أن لكل جملة أطلقها سموه معنى، ولكل كلمة حسابا ووقفة. ولكن حسبُنا من ذلك الخلاصة والدرس المستفاد، وهو أن سموه متيم بحب وطنه وأبناء شعبه، وأنه على درب الهادي الأمين محمد بن عبد الله ساير وعلى نهجِ زايد وراشدٍ مشمر، ومع أخيه خليفة للأرض مُعمِر، فلتهنأ بك أمتك قائداً مبجلاً ونموذجاً إنسانياً موقراً.. وللحقيقة والتاريخ، فقد استشعرنا جميعا ذلك الحب في كلمات سموه، التي خرجت دافئة صادقة قوية لا تقع إلا في قلب مفعم بحبه، فمنا لك كل العهد بالحب الصادق الوفي، والعمل المخلص الذي يجعلنا لك سنداً وعضدا، فسِر وعين الله ترعاك.