نشرت صحيفة الغارديان البريطانية (15/2/2013) افتتاحية لمناسبة مرور عشر سنوات على حرب العراق، بعنوان: "حرب العراق: مسيرة من الوقت"، جاء فيها ((منذ عقد من الزمان، رفع توني بلير سقف خطابه وتألق نحو آفاق جديدة، مثيرا المخاوف ومدعيا بالأحلام الوردية لعالم ما بعد صدام. إنه بعد سنوات من الحرب الأهلية في العراق، راح العراق ينهار في نهاية المطاف ليصبح في قبضة طائفية سيئة لنوري المالكي. ذلك أن العديد من حسابات الحرب لا تزال مفتوحة دائما ويتردد القول بأنها "لن تنجح أبدا"))! وفعلا، تبددت كل الأحلام التي حلم بها الحالمون ليخرج العراق من نفق الطغيان إلى درك الطائفية.
نعم، يشهد العراق بقضّه وقضيضه حالة صعبة جدا، ويمر المجتمع العراقي بمخاض معقد هذه الأيام، إذ تتلاقح الأحداث، ويزداد القتل، وتضطرم النفوس، وتتصاعد التظاهرات، وتتحشد القوى، وتتخندق الناس، وتستقطب النوازع، وتفور العواطف.. ويسعى الساعون تحت أجندة طائفية لهذا الطرف أو ذاك، نحو أي نوع من الصدام بين الشيعة والسنّة في العراق.. وتأثير ما يحدث في سوريا يعد نتيجة لما حدث في العراق خلال السنوات العشر الأخيرة، وفي الوقت نفسه سيكون سببا لما ستقود إليه حالة الاحتقان في العراق من انفجار، لا سمح الله.
إنني أناشد كل العراقيين أن لا تقودهم الظروف الصعبة أو تسعى بهم التوترات أو ما يثيره المخربون، إلى إشعال نار الفتنة الطائفية وبدء الاحتراب الذي لا يتمنى عاقل أن يحصل، إذ سيفني العراقيون أنفسهم بأنفسهم بلا أي طائل، وسيحفرون قبورهم بأيديهم لعوامل تافهة لا معنى لها.
إن الصراع الطائفي في العراق لا معنى له أبداً، والغلو السياسي القائم على القيم والثقافة الطائفية لهذا الجانب أو ذاك، لا يحقق أية نتائج لمصلحة أي طرف. ومن سوء حظ العراقيين أنهم لم يحظوا بقيادات وزعامات لها ما يكفي من القوة والذكاء وموازنة الأمور والانفتاح على كل الناس وخدمتهم، نتيجة لما فرضته المحاصصات الكسيحة التي استفحل أمرها في كل مرافق الحياة العراقية اليوم.
أهيب بكل المسؤولين العراقيين أن يكونوا على قدر كبير من الحكمة والحنكة السياسية في تدبير أمور الحكم وشؤون العامة، وأن يخففوا من حربهم الباردة في ما بينهم، بل أهيب بهم أن يتعاملوا مع كل العراقيين معاملة متساوية ومتوازنة، دون تقديم طائفة على أخرى، أو مكان على غيره.. وأهيب بهم أن ينزلوا إلى الشارع ويشاركوا في دفع نبضه المتدفق، في اتجاه المسالمة لا المصادمة، والتضامن لا المقاسمة.. وأن يبادر رئيس الوزراء نفسه ووحده كي يلتقي بالناس ويسمعهم، وأن يكون يدا بيد معارضيه ويجعل نفسه واحدا منهم، بل ليتخذ سدة حكمه خلال شهر واحد في أربع محافظات ويقضي في كل محافظة من المحافظات المنتفضة أسبوعا كاملا، يختلط بالناس، يزور مدارس أبنائهم، يدخل بيوتهم ويأكل معهم، ويستمع إلى تظلمّاتهم..
فالعنجهية لا تفيد وتراشق الاتهامات لا يليق، والتفّرد بالحكم لا يخدم العراق أبدا.. بل ويتنقل من مقهى إلى مجلس إلى سوق إلى مطعم.. أو ينتقل بسيارته بين القرى ليتفقد أحوال الناس، ويكون متواضعا مع عباد الله الصالحين، وصارما إزاء كل من تسوّل له نفسه الاعتداء أو العبث أو التمرد أو إشاعة الفوضى، وأن يكون قاسيا إزاء أية نزعة طائفية..
عليه أن يستبدل حاشيته التي اختار أعضاءها بنفسه، ليس لأنها من طائفة واحدة معينة، بل لأنها لم تكن مؤهلة لمساعدته في حكمه وصنع قراراته.. مع تمنيات كل العراقيين منه أن يجعل نفسه مواطنا عراقيا متقدما أولا وأخيرا، لا ينطق إلا باسم الوطن والوطنية ومصالح العراقيين كلهم، بل ومحبة العراقيين كلهم.. أما أن ينحدر ليهدد ويتوعد باسم طائفته وكأننا في حلبة صراع، فذلك خطأ كبير! ولا يكفي لأي زعيم أن يتشدّق بعراقيته رغم كل الصعاب التي يواجهها، ولكن يتوجّب عليه أن يترجم أقواله إلى جملة أفعال، وأن يعمل ليل نهار من أجل خدمة شعبه وتوفير الراحة للجميع، بتوفير خدمات تعد اليوم من أبسط مستلزمات الحياة.. وعليه أن لا ينام وفي السجون أبرياء وبريئات وأناس يلاقون العذابات.
إن المشكلة الأساسية في العراق، تتمثل في الطائفية التي وصفتها قبل سنين مضت بـ"الخازوق".. ومن يحكم العراق اليوم عليه أن يعمل ما بوسعه لمحو المحاصصة الطائفية، فهي داء وبيل وشر مستطير، سيفني مجتمعنا العراقي يوما بعد آخر. سيقول البعض: إنك تحلم وإنك خيالي في معالجة الواقع.. وسأجيب: دعونا نزرع بذورا جديدة من أجل مستقبل من نوع آخر، ونعمل معا لدرء فتنة طائفية عمياء بكل الوسائل.. فتنة سوف لا تبقي ولا تذر، لا سمح الله!