أظهرت عملية احتجاز الرهائن الأجانب في إحدى مصافي الغاز التي شهدتها الجزائر أخيراً، وجود تنظيم جديد يسمى «الموقعون بالدماء»، وهو تطور يشير إلى أن المنظمات الموالية لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي تقوم بعملية انشطارات وانشقاقات، وهو ما يعني تعدد مرجعياتها من جهة، وأنها يمكن أن تخوض صراعات في ما بينها من جهة ثانية. كما يشير هذا التطور إلى أن الجماعات الأصولية العنيفة التابعة للقاعدة، تواجه حالة من الزخم الناتج عن سيطرة بعض منها على شمال مالي، الأمر الذي تطلب التدخل الخارجي الفرنسي من أجل وقف هذا الزخم.

وتنظيم «الموقعون بالدماء» حديث العهد، يرجع تأسيسه إلى ديسمبر الماضي، وهو تنظيم جهادي أنشأه الجزائري «مختار بالمختار»، وهو خالد أبوالعباس الملقب بـ«الأعور»، بعد عزله من قيادة «كتيبة الملثمين» من قبل تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، وهو ما وصفته القاعدة آنذاك بأنه إجراء إداري وتنظيمي، اتخذه أمير التنظيم أبومصعب عبدالودود، والتزم به أبوالعباس.

ويرى خبراء أن انشقاق بالمختار عن القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، لا يعبر إلا عن خيبة طموحاته وعن نزاعات بين أشخاص، وصراع مصالح بين زعامات التنظيم. وبالمختار، رغم تأسيسه لهذا التنظيم الجديد، ظل حريصاً على التزامه بوحدة القرارات التي تتخذها التنظيمات المسلحة حيال الأزمة في شمال مالي. وهذا السلوك فسره المراقبون بأنه يستهدف إثبات أنه لا يمكن الاستغناء عنه في المنطقة، وأن بإمكانه التحرك بشكل مستقل عن قيادة التنظيم، وهو السبب نفسه الذي قد يكون دفعه لتنفيذ عملية اختطاف الرهائن في الجزائر.

وتاريخ تأسيس «الموقعون بالدماء» يتزامن مع الحديث عن التدخل الخارجي في شمال مالي، عبر قوة تدخل إفريقية تكون مدعومة لوجستياً وعسكرياً ومالياً من قوى إقليمية، مثل الجزائر والمغرب ودول إفريقية أخرى، ودولية على رأسها فرنسا والولايات المتحدة الأميركية، وهو ما قد يكون تكتيكاً دفاعياً من قبل الجماعات الأصولية العنفية في شمال إفريقيا ومنطقة الصحراء والساحل الإفريقي، بهدف تشتيت جهود القوى العسكرية المتدخلة. فمواجهة جماعة واحدة أو اثنتين، يختلف عن مواجهة عشرات الجماعات الصغيرة التي تختلف في تكتيكاتها العسكرية ومناطق وجودها.

كما أن تأسيس «الموقعون بالدماء» كان إعلاناً عن توسيع جبهة المواجهة، وهو الأمر الذي حدث مع اختطاف الرهائن في الجزائر، وكان إشارة إلى أن أي خطوة تدخلية من الخارج تعني استهداف رعايا الدول المتعاونة مع التدخل في كافة مناطق شمال إفريقيا، وهو ما قد يمتد إلى مناطق أخرى في القارة.

ولعل صرامة الجزائر في التعاطي مع عملية الاختطاف، كانت رسالة إلى «الموقعون بالدماء»، مفادها أن ابتعدوا عن الجزائر إذا كنتم تستهدفون الأجانب، لأن الرد سيكون عنيفاً ولن نراعي أية قواعد في ردنا على العنف. ويذكر هنا أن الجزائر كانت على الدوام تتحفظ على التدخل العسكري في مالي، وترى أن دعم قوات الطوارق هو الحل الأفضل، لأنها كانت ترى أن الجماعات الموالية للقاعدة تتعامل مع المنطقة باعتبارها وحدة جغرافية واحدة، وهو ما يعني أنها كانت تدرك أنها لن تنجو من الآثار السلبية للتدخل الخارجي، وهو ما حدث بالفعل.

وتشكيل جماعة «الموقعون بالدماء» ستكون له آثار على أكثر من صعيد، فمن جهة، فإن بعض الجماعات التي نبذت العنف وانشقت عن الجماعة السلفية للدعوة والقتال، أقوى جماعات العنف المسلح في شمال إفريقيا، يمكن أن تعود مرة أخرى إلى العنف بالنظر إلى وضعية بالمختار داخل الفصائل الجهادية الجزائرية، وقد يؤدي أيضاً إلى تشكيل جماعات أخرى مماثلة، لمقاتلة القوات الفرنسية في مالي أو لاستهداف المصالح الفرنسية في منطقة الساحل وشمال إفريقيا، وهذا سيحدث حتماً إذا طال أمد التدخل الفرنسي.

وهناك من يرى أن فرنسا بتدخلها في مالي دخلت حرب صحراء طويلة جيشها ليس مؤهلاً لخوضها، ولكن يبدو من تطورات الأحداث أن فرنسا واعية لهذا الطرح، ولكن الأمر الغائب عن الخطة الفرنسية، هو هل ستتدخل فرنسا والدول الغربية لتحقيق التنمية والعدالة في مالي؟ وهل ستضمن حق الطوارق في حكم ذاتي طالما سعوا إليه ووعدتهم به الحكومات المالية في اتفاقيات موقعة معهم؟ فهذه هي الأسباب الحقيقية للوضع الذي وصلت إليه مالي واستدعى التدخل الفرنسي، وإن لم يكن ذلك أحد أهداف هذا التدخل، فإن خطر «الموقعون بالدماء» والجماعات المماثلة لها، سيظل ماثلاً في المنطقة لفترة ليست قصيرة.