يرتبط عادة المنتدى الاقتصادي العالمي، الذي يعقد في دافوس السويسرية كل عام، بإيجاد حلول للمشكلات الاقتصادية الكبرى التي يواجهها العالم. لذا فقد كان من الرائع أن الموضوع الأهم في مؤتمر العام الجاري، هو تنبيه الذهن، مع تكريس جلسات عدة ليس فقط للحديث عنه من المنظور العلمي، ولكن للحديث عن كيفية ممارسته كذلك. ولا يعني هذا أن المنتدى الاقتصادي العالمي تخلى عن إيجاد حلول لمشكلاتنا الكبرى، ولكنه، على العكس من ذلك، يشير إلى أن هناك وعياً متزايداً بأننا كأفراد، في هذا العالم المترابط للغاية، سنحتاج لأن نكون جزءاً من تلك الحلول الجماعية. وليس تنبيه الذهن بإجابة سحرية، ولكنه تمهيد ضروري لإيجاد تلك الإجابات. وهو، في الواقع، يرتبط بشكل مباشر ببعض المشكلات الواقعية للغاية، مثل تكاليف الرعاية الصحية، والإنتاجية.
حيثما التفت، كان تنبيه الذهن موضوعاً رئيسياً للحديث، تبناه وتغنى به أناس لن تتوقعوهم، من مستثمرين ناجحين (بيل غروس من شركة "بيمكو") إلى أشخاص حائزين على جائزة نوبل (جو ستيغليتز). والتأثير الغريب، والمرحب به، تمثل في أن نجوم منتدى العام الجاري لم يكونوا رؤساء دول، أو وزراء خارجية، أو مصرفيين مركزيين، أو مستثمرين من أصحاب المليارات، أو نجوم روك ناشطين. ولكنهم كانوا أشخاصاً مثل الراهب البوذي ماتيو ريكارد، الذي يوصف بأنه "الساعد الأيمن للدالاي لاما" و"أسعد رجل في العالم".
أو أميشي جها، مدير العلوم العصبية التأملية لمبادرة البحث حول تنبيه الذهن وممارسته في جامعة ميامي. أو جانيس مارتورانو، التي أسست برنامجاً لتنبيه الذهن والتأمل في شركة "جنرال ميلز"، وهي تدير الآن معهد القيادة الواعية، وهو منظمة غير ربحية أسستها لتدريب مهنيي الشركات على تنبيه الذهن. أو الدكتور مارك وليامز، وهو أستاذ في علم النفس السريري في جامعة أكسفورد، التي يقوم فيها بتطوير تقنيات علاجية معرفية تقوم على تنبيه الذهن لمنع الانتحار وعلاج الاكتئاب، وهو أيضاً أحد مؤلفي كتاب "الطريق الواعي عبر الاكتئاب" و"تنبيه الذهن: دليل عملي لإيجاد السلام في عالم محموم". وإذا كانت دافوس هي المركز، فإنني أعتقد أنه يسعني الآن القول إن تنبيه الذهن جاء من الهامش.
وكانت مارتورانو من بين المتحدثين البارزين في إحدى جلسات منتدى دافوس الأكثر شعبية، وهي جلسة "القائد الواعي". وقالت بعد ذلك: "لقد أدرك العلم الآن ما كان موجوداً في العديد والعديد من الثقافات". ولتلك الممارسة فوائد واضحة جداً، ومثبتة بالنسبة للقادة أيضاً (وبالتالي فإن لها فوائد بالنسبة لنا جميعاً).
ونحن بالتأكيد في زمن نحتاج فيه إلى قادة أكثر كفاءة، للتغلب على التحديات العديدة التي نواجهها. وعشية مؤتمر العام الجاري، خفض صندوق النقد الدولي توقعاته للنمو العالمي في عام 2013، وتنبأ بأن اقتصاد الاتحاد الأوروبي سينكمش في الواقع بنسبة 0,2%. وفي بريطانيا أصبح من المؤكد أن البلاد سوف تشهد بالفعل ركوداً ثلاثياً، وفي أميركا نترنح مع معدل بطالة يقرب من 8%، ومعدل نمو في فرص العمل من شأنه أن يتطلب نحو عقد من الزمن ليصل إلى العمالة الكاملة، ومن الواضح أننا نحتاج إلى بعض الحلول.
وتكتب مارتورانو تقول: "إن القيادة اليوم مسؤولية معقدة بشكل لا يصدق، وهي قد تصبح بسهولة مزدحمة بالأشغال والالتزامات، إلى درجة أن القادة يجدون أنفسهم يفتقرون إلى المهارات ذاتها التي نكون في أمس الحاجة لأن يتمتعوا بها، وإلى المهارات ذاتها التي يستطيع تنبيه الذهن أن يعززها، بما في ذلك التركيز والوضوح والإبداع والتعاطف". وتضيف: "ببساطة، فإن التدريب على تنبيه الذهن في سياق التميز القيادي، يدعو القادة إلى أن يكونوا أكثر قيادية، وأكثر اتصالاً بمبادئهم وقيمهم الشخصية، وأكثر استرشاداً بحكمتهم الداخلية". وهذه حقيقة تحظى بإدراك متزايد في عالم الشركات، فإلى جانب شركة "جنرال ميلز"، التي وجهت مارتورانو اهتمامها إلى تنبيه الذهن، يتبنى نحو ربع الشركات الأميركية الآن نوعاً من برامج الحد من التوتر، بما في ذلك شركات "غوغل" و"تارغت" و"إيتنا".
وفي حقيقة الأمر، فإن الرعاية الصحية وتكاليفها الآخذة في الارتفاع، هما مجالان يسفر فيهما تنبيه الذهن عن فوائد مباشرة. وتلخيصاً لبعض الجلسات التي كُرست للرعاية الصحية (بنسبة غير مسبوقة بلغت 10%) في دافوس، فقد أشارت لوسي فيلدر إلى أن تكاليف الرعاية الصحية، تستهلك الآن ما نسبته 18% من الناتج المحلي الإجمالي في الولايات المتحدة، وإلى أن "الإصلاح الشامل وحده يستطيع أن يخفض تلك التكاليف في نهاية المطاف". ويجب علينا، حسب قول أحد المتحدثين، أن ننتقل من العلاج إلى الوقاية، ومن "الرعاية المرضية" إلى "الرعاية الصحية". ووفقاً لمنظمة الصحة العالمية، فإن التوتر يكلف الشركات الأميركية ما يقدر بـ300 مليار دولار سنوياً. وقد تكون تكاليف نظام رعايتنا الصحية أعلى من ذلك، بالنظر إلى الدور الذي يلعبه التوتر في حالات مثل أمراض القلب وارتفاع ضغط الدم ومرض السكري.
وحتى في مسألة بحجم تغير المناخ، يمكن للممارسة الصغيرة المتمثلة في تنبيه الذهن أن تحدث تأثيراً. وفي جلسات المناخ في دافوس، بما فيها الجلسة التي حضرتها المفوضة الأوروبية للعمل المناخي، كوني هيديغارد، أدهشني العدد الكبير من المتحدثين والحاضرين الذين ربطوا بين الاستدامة العالمية والاستدامة الشخصية. وكما يقول الراهب البوذي ريكارد، فإن: "تنبيه الذهن يصقل قدرتنا على القيام بالأمور، مع العلم بأننا نقوم بها".
لقد لعب الافتقار لهذا النوع من الوعي، دوراً في إدخالنا في كل أزمة تقريباً نجد أنفسنا في مواجهتها الآن. وفقط من خلال صقل ذلك الوعي، نستطيع إخراج أنفسنا من هذه الأزمات ومنع وقوع غيرها في المستقبل. فالحلول موجودة، وكل ما نحتاج إليه هو أن نكون قادرين على رؤيتها.