في الطريق إلى الوحدة

ت + ت - الحجم الطبيعي

ما بين يوم 22 فبراير عام 1958، ويوم 22 فبراير 2013، تكون خمسة وخمسون عاماً قد مرت على قيام "الجمهورية العربية المتحدة"، بإرادة الشعب العربي في مصر والشعب العربي في سوريا، وما زالت حقيقة الوحدة، وضرورة الوحدة، وأمنية الوحدة حتى اليوم في العقل والوجدان الشعبي، رغم كل ما يبدو على سطح العلاقات السياسية من اختلافات وخلافات، ورغم كل النكسات التي واجهتها التجارب الوحدوية أو الاتحادية، ورغم كل المؤامرات التي حاربت وتحارب فكرة الوحدة العربية أو الإسلامية.

والدليل على ذلك أن الشعب العربي الواحد في الوطن العربي المجزأ، حاول بعد أن استعاد استقلاله أن يستعيد وحدته، عبر تجارب اتحادية ووحدوية عديدة، أولاها تجربة الوحدة الثنائية المصرية السورية في قلب هذا الوطن الكبير عام 58، وتلتها المحاولة الاتحادية الثلاثية بين مصر وسوريا والعراق عام 63 رداً على الحركة الانفصالية عام 61، وبالتجربة الاتحادية الثلاثية بين مصر وسوريا وليبيا التي جسدتها دولة "اتحاد الجمهوريات العربية" عام 71، ولم يكتب النجاح في هذه التجارب إلا للتجربة الاتحادية لدولة "الإمارات العربية المتحدة" عام 71.

والدليل أيضاً، هو ما شهده الوطن العربي من أطر تكاملية اتحادية في الطريق إلى الوحدة، بداية من "مجلس التعاون الخليجي" السداسي في مشرقه على ضفاف الخليج العربي، ومروراً بـ"اتحاد المغرب العربي" الخماسي بمغربه على المحيط الأطلسي، ونهاية بـ"مجلس التعاون العربي" الرباعي في وسط الوطن العربي، وكانت آخر التجارب الوحدوية هي تحقيق استعادة الوحدة اليمنية التي استمرت رغم المعارك والمؤامرات الانفصالية.

وأن تولد أول تجربة وحدوية عربية في العصر الحديث بشروق شمس الاستقلال وبعد هزيمة المشروع الاستعماري في حرب السويس عام 1956، فلذلك دلالته الواضحة، ذلك أن الاستعمار الغربي هو الذي احتل الوطن العربي وقسمه ضمن خريطة تقسيم النفوذ باتفاقية "سايكس ـ بيكو" الأنجلو فرنسية عام 1916، بعد هزيمة الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى والتي كان الوطن العربي ضمن ولاياتها، وما أعقب ذلك من وعد بلفور المشؤوم عام 1917، تمهيداً لإقامة القاعدة الصهيونية في فلسطين لفصل المشرق العربي عن المغرب العربي، وتمهيداً لسايكس ـ بيكو ثانية صهيو أميركية، والتي نشهد عمليات رسم خرائطها حالياً!

ولهذا فإن إزالة الاحتلال كانت تعني بالتبعية إزالة كل آثاره السلبية وأولها التجزئة، وهو ما أكده الزعيم السوري العربي شكري القوتلي في مثل هذا اليوم، في الاحتفال الشعبي بإعلان الوحدة بقوله: "إننا باستعادة الوحدة لم نأت بجديد، بل إننا نصحح الأوضاع التي صنعها الاستعمار".. وهو ما أكده الزعيم المصري العربي جمال عبدالناصر أول رئيس للجمهورية العربية المتحدة بقوله: "لقد مرت علينا قرون من الزمان وأمانينا وأهدافنا حبيسة وراء الحواجز والسدود التي صنعها الاستعمار، ولقد تهاوت الحواجز والسدود بزوال الاستعمار".

وفي الواقع فلقد "قامت دولة كبرى في هذا الشرق، ليست دخيلة فيه ولا غاصبة، ليست عادية عليه ولا مستعدية.. دولة تحمي ولا تهدد، تصون ولا تبدد، تقوي ولا تضعف، توحد ولا تفرق.. تشد أزر الشقيق، وترد كيد العدو، لا تتحزب ولا تتعصب، لا تنحرف ولا تنحاز.. تؤكد العدل، وتعزز السلام، وتوفر الرخاء لها ولمن حولها من البشر جميعاً بقدر ما تتحمل وتطيق".

وبينما كانت تلك الخطوة الوحدوية، تمثل للشعب العربي الخطوة الاستراتيجية الأولى لتغيير المشهد العربي، من التجزئة إلى الوحدة ومن الضعف إلى القوة ومن التخلف إلى التقدم، ولإعادة تصحيح الخلل الواقع بالتجزئة على الأرض العربية.. كانت إسرائيل التي لا تنبع قوتها إلا من تجزئة العرب ومن ضعفهم وتخلفهم نتيجة هذه التجزئة، تشعر منذ إعلان الوحدة المصرية السورية بالخطر، وشعر بن غوريون بأن إسرائيل أصبحت بين فكي كماشة عربية.

ولم تكن إسرائيل وحدها التي تكن العداء للوحدة، بل أيضاً القوى الاستعمارية وتوابعها الانفصالية. ولهذا سعى الاستعمار الحليف الاستراتيجي لإسرائيل والقوى المعادية للقومية العربية، لإفشال كل التجارب الوحدوية بالتصدي المباشر أو بالمؤامرات غير المباشرة، لضمان أمن قاعدتها الاستعمارية في فلسطين، ومصالحها في المنطقة العربية والإسلامية، ولهذا فإن فصل سوريا عن مصر كان الطريق لضرب البلدين واحتلال الجولان السوري وسيناء المصرية، ولهذا فإن القول إن ما جرى في 5 يونيو 67 بدأ تنفيذه في 28 سبتمبر 61، يظل قولاً صحيحاً.

في ذلك اليوم الحزين يوم الانفصال، كان موقف الزعيم الراحل جمال عبدالناصر هو موقف الرجال الذين يتسمون بالحكمة والمسؤولية الوطنية والقومية، عندما رفض استخدام سلطاته كرئيس للجمهورية العربية المتحدة لإنهاء الانقلاب العسكري بالقوة، وقال: "لا يمكن أن يوجه السلاح العربي للصدر العربي تحت أي ظرف".. مختتماً بيانه عبر الإذاعة المصرية بالقول الخالد: "ليس المهم أن تبقى سوريا جزءاً من الجمهورية العربية المتحدة، ولكن الأهم أن تبقى سوريا"!.

لكن تبقى القيمة الأساسية لهذه التجربة الوحدوية، أنها جاءت تعبيراً عن إرادة شعبية لإزالة مخلفات الاستعمار، الذي لا يريد لهذه الأمة أن تستعيد ذاتها ووحدتها من جديد، بل أن تبقى أجزاء ضعيفة لفرض إرادته السياسية عليها، ولتمكين قاعدته الاستعمارية إسرائيل لتكون الدولة الإقليمية الأقوى.

ويبقى السؤال الذي يطرح نفسه علينا جميعاً اليوم في ذكرى الوحدة المصرية السورية، هو: إذا كان الله يريد لهذه الأمة أن تتوحد ويأمرنا بذلك في كتابه العزيز، بينما الاستعمار والقوى المعادية للعروبة والإسلام تريد لهذه الأمة أن تتقسم وترسم بالفعل خرائط التقسيم.. فلأي إرادة يجب أن نستجيب؛ إرادة الاستعمار أم.. إرادة الله؟!

 

Email