كبقية الناس في هذه الدنيا، كان لي نصيبي من الإخفاقات والنجاحات، منذ بداية مسيرة حياتي التي أعي. ابتدأت بإخفاقات ونجاحات في الدراسة، ومن ثم إخفاقات ونجاحات في العمل، وتخللها دوما الكثير من الإخفاقات والنجاحات في العلاقات الإنسانية.

ولطالما كنت وبعد كل إخفاق أو نجاح أمر به، وبعدما أتجاوز مرحلة الألم وعبرات الانكسار، أو مرحلة الانتشاء المشوب بلذة الانتصار، أجلس وأتأمل في ما جرى، محاولا أن أتعلم درسي، وأن أستخلص الثمرة الحقيقية مما حصل. فلكل أمر يعترض المرء، سلبا كان أو إيجابا، ثمرتان في الحقيقة، ظاهرة وباطنة، ومن يتوقف عند الظاهرة فحسب ولا يتجاوزها فيغوص نحو الأعمق، يكون قد فاته الكثير غالبا.

وسأترك هذه المرة الحديث عن الإخفاقات، ولعلي أعود إليه في وقت لاحق، وسأكتفي بالحديث عن النجاحات.

النجاحات يا سادتي، على نوعين في العموم، وبين هذين النوعين تتدرج درجات أخرى، يمكن إرجاعها إما إلى هذا النوع أو ذاك. نوع كأنه يأتيك بلا تخطيط مسبق، ولا استعداد كبير ولا جهد يذكر، فيكون أشبه ما يكون بخبطات الحظ أو ضربات الفوز بأوراق اليانصيب، يقتحم حياتك فيسعدك ويفرحك، ولعله يعصف بك حينها من الغبطة والسرور.

ولكن مع مرور الوقت، أياما أو شهورا وربما سنة أو اثنتين، سرعان ما تذوي تلك المشاعر وتتضاءل فتختفي، تماما كتلاشي طعم السكر شيئا فشيئا من فمٍ تناول للتو قدحا من مشروب حلو المذاق.

وأما النوع الثاني، فهو ذاك الذي لا يتحصل عليه المرء إلا بعد الكثير من التخطيط والقدر الكبير من الاستعداد وبذل الجهد والتعب. هو ذلك النوع الذي يسعى إليه الإنسان بشكل دؤوب، حتى يظفر ويفوز به، وحين يحصل ذلك فإن هذا النجاح، حتى وإن لم يأتِ مصحوبا بذات الجلبة السعيدة التي تأتي عادة مصاحبة لتلك النجاحات الخاطفة، يتحول إلى عمود من الأعمدة الراسخة التي ترسم شخصية هذا الإنسان، ولعلها تشكل ملامح نفسه وشكل حياته المقبلة.

من أمثلة النجاح الأول، أعني ذلك النجاح السريع القطاف، التحصل على الماديات المجردة، كالتمكن من شراء سيارة أو قطعة حلي غالية الثمن أو ما شابه ذلك. فرح غامر وسعادة كاسحة، ولكنها سرعان ما تختفي مع عودة ذلك الشيء المادي إلى حقيقته التي هو عليها، وهي أنه مجرد شيء مادي خال من الدلالة الباقية والمعنى بعيد الأثر.

ومن أمثلة النجاح الثاني، والذي هو ذلك النوع الذي لا يتأتى للإنسان بين ليلة وضحاها، التمكن من إنجاز مشروع ما، في العمل أو الحياة العامة، أو حتى في داخل أسرة الفرد نفسه. مشروع ذو أثر تغييري يمس حياة الآخرين ويظل باقيا فيها، إما أبدا أو لفترة طويلة على أقل تقدير.

وكل مشروع على هذه الشاكلة، لا يمكن له إلا أن يمس أولا وأخيرا حياة من تمكن من إنجازه، حيث سيجعله إنسانا أفضل وإضافة أجمل لهذه الحياة، وكما قال القائل في ذات المعنى؛ إن لم تزد شيئا على الحياة كنت زائدا عليها.

ولعلي عندما ضربت هذين المثالين، قد بدوت متطرفا بعض الشيء في نظر بعضكم، خصوصا في المثال الثاني، من باب أن أغلب الناس أبسط بكثير من حكاية المشاريع هذه. وهنا أقول، بأنه ليس شرطا أن تكون مشاريعنا بحجم مشروع الدكتور عبد الرحمن السميط شفاه الله وعافاه، والذي كرس كل عمره للإغاثة والدعوة في إفريقيا فكان رجلا بأمة

وإنما يكفي أن يجعل الإنسان في حياته أهدافا واضحة محددة، مهما كان حجمها يبدو صغيرا بالمقارنة مع غيره، فيسعى للنجاح في تحقيقها، وسيجد في نهاية المطاف أن سعيه نحو تحقيق هذه الأهداف، التي بذلها تجاه أسرته ومجتمعه ونفسه في المقام الأول والأخير، هو الذي شكّل الجوهر الحقيقي والمعنى العميق لكل حياته.

دعواتي الصادقة لكم جميعا بالسعادة الحقيقية، تلك السعادة ذات الطعم الباقي، الذي يظل مطبوعا على أنفسكم وفي مساحات أرواحكم، فلا يذوي ولا يتلاشى أبدا.