أوباما ليس المنقذ ولن يكون..

ت + ت - الحجم الطبيعي

من المبكر الحكم بفشل أو نجاح الزيارة الغريبة المرتقبة للرئيس الأميركي باراك أوباما للمنطقة، فمسألة الفشل أو النجاح نسبية، بطبيعة التوقعات التي تنتظرها الأطراف المعنية بالتعامل مع هذه الزيارة. الفلسطينيون، ونقصد القيادة الرسمية، أبدت خلال الأشهر الأخيرة قدراً من المرونة في التعامل مع بعض الملفات، التي قد تزعج الرئيس أوباما قبل الانتخابات الرئاسية، وذلك بأمل أن تكون إعادة انتخاب رئيس متحرر من الضغط الإسرائيلي واليهودي الأميركي، عاملاً في الحصول على موافقة أميركية أقل انحيازاً لإسرائيل وأكثر إنصافاً للفلسطينيين.

في هذا السياق، كان واضحاً أن القيادة الفلسطينية أجلت إلى ما بعد ظهور نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية، قرارها بالتقدم إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، وطلب التصويت على مكانة دولة فلسطين كدولة غير عضو، وفي هذا السياق أيضاً يبدو أن تعثر المصالحة الفلسطينية، يعود في أحد جوانبه إلى أن القيادة الفلسطينية لا ترغب في توفير أسباب لتوتير العلاقات الأميركية - الفلسطينية.

والحال أن القيادة الفلسطينية تتعرض لضغوط خارجية من أجل وقف مسعاها للتوجه إلى المحاكم الدولية، بهدف ملاحقة الجرائم الإسرائيلية في أكثر من ملف، أهمها ملف تهويد القدس، وملف الاستيطان، وملف الأسرى وحقوق الإنسان.

ثمة إذاً، آمال تعقدها القيادة الفلسطينية الرسمية، بإمكانية الحصول على مواقف أميركية أكثر إيجابية تجاه الفلسطينيين، ولكن الفارق كبير بين الآمال والتوقعات، فإذا كان البعض فلسطينياً وعربياً، وحتى أوروبياً، يتحدث همساً في الغالب، وعلناً في بعض الأحيان، عن مبادرة أميركية جديدة لإنعاش عملية السلام، فإن ما يرشح من معلومات حتى الآن، لا يفيد أن شيئاً من هذا القبيل يمكن أن يقع.

وزير الخارجية الأميركي جون كيري، وضع الزيارة في إطار رغبة الرئيس أوباما في الاستماع إلى الطرفين، غير أن مصادر أميركية تحدثت عن أن الرئيس الأميركي ربما يطلب من إسرائيل خارطة طريق زمنية لتحقيق الانسحاب من الضفة الغربية، الأمر الذي ألهب عقول بعض المراهنين على تغيير جوهري في الدور الأميركي، يؤدي إلى إقامة الدولة الفلسطينية خلال العام المقبل.

تقف وراء هذه التوقعات اعتقادات خاطئة بأن سوء العلاقة بين أوباما ونتانياهو، قد يصل إلى حد أن يبادر الرئيس الأميركي إلى الإقدام على مواقف وإجراءات ضد إسرائيل من باب الانتقام، وهو أمر يدخل في باب الأوهام الخالصة، فالعلاقات الأميركية - الإسرائيلية لا تزال تقف على أرضية صلبة، ومن غير المحتمل أن يكون للعلاقات الشخصية، مهما كانت متوترة، أي أثر جدي على العلاقات بين الطرفين.

لا شك أن الزيارة التي سيقوم بها الرئيس الأميركي، تنطوي على أهمية كبيرة، وقد تشكل محطة أساسية في سياسة إدارة الأزمات، التي تتسم بها إدارة أوباما التي تحتاج إلى إعادة الإمساك بقوة بملف سلام الشرق الأوسط، وتجديد دورها الذي يقوم على احتكار هذا الملف وإخضاع تفاعلاته للمصالح والسياسات الأميركية في المنطقة.

هكذا فإن سقف التوقعات يتراوح بين ما حدده وزير الخارجية الأميركية جون كيري، عنواناً للزيارة، وهو الاستماع، وبين مبادرة لا تتوفر أية مؤشرات حقيقية بشأن جهوزيتها. الاحتمال المرجح كحد أدنى، هو أن ينجح الرئيس الأميركي في تحريك المياه الراكدة، نحو مفاوضات استكشافية لإزالة الشروط والعوائق التي تحول دون دفع الأطراف للدخول في مفاوضات لفترة محدودة، الأمر الذي سيؤدي إلى تأجيل الصدام، وإتاحة المزيد من الوقت أمام إسرائيل لكي تواصل مخططاتها التي قد تذهب إلى دولة ذات حدود مؤقتة على أجزاء من الضفة الغربية، منفصلة أو ربما مرتبطة باتحاد كونفدرالي مع الأردن.

استباقاً لما يمكن أن يطالب به الرئيس الأميركي، خلا الخطاب السياسي الفلسطيني مؤخراً من أحد أهم الشروط التي كانت القيادة الفلسطينية تتمسك بها، وهو الاعتراف الإسرائيلي المسبق بحدود الرابع من حزيران/ يونيو عام 1967، كأساس للحل ولمعالجة قضية الحدود، فيما واصلت التمسك بشرط وقف الاستيطان، والإفراج عن الأسرى من المعتقلين قبل أوسلو.

في هذا الإطار، وأيضاً من باب التحسب وإبداء مرونة كاذبة، أكثر نتانياهو مؤخراً من الحديث عن استعداده للعودة إلى المفاوضات، وإصدار قرار بوقف مناقصات بناء وحدات استيطانية جديدة، مستثنياً من ذلك القدس والكتل الاستيطانية الكبرى.

الموقف الإسرائيلي حتى الآن لا يرقى إلى مستوى الشرط الفلسطيني بالوقف الكامل للاستيطان، ولكنه ـ أي الموقف الإسرائيلي ـ يوحي بإمكانية إيجاد مخارج وسيطة، تحرج الفلسطينيين دون أن يجري أي تغيير في جوهر السياسات الإسرائيلية. نتانياهو أشار علنياً إلى استعداده لاتخاذ إجراءات بناء ثقة مع الفلسطينيين، ربما تصل إلى حد توسيع صلاحيات السلطة في المناطق من الضفة الغربية التي تحتفظ إسرائيل لنفسها بصلاحيات واسعة فيها.

في الواقع فإن مثل هذه الإجراءات يصبح بهذا المعنى واحدة من الإدارات الإسرائيلية التفاوضية، لإسقاط الشروط الفلسطينية من أجل استئناف التفاوض في الملفات الأساسية، فلقد وسعت إسرائيل صلاحياتها حتى الأمنية في المناطق (أ)، التي يفترض حسب اتفاقية أوسلو أنها تخضع للسيطرة الفلسطينية بالكامل، ومثل هذه الإجراءات أيضاً عرضة للانتهاك من قبل إسرائيل، التي يسهل عليها التراجع عنها في الوقت الذي تشاء.

في هذا الإطار فإن واشنطن تتحلى بالحذر الشديد إزاء إمكانية تقديم مبادرات صعبة، قد تتطلب منها ممارسة الضغط على حليفتها الاستراتيجية الثابتة إسرائيل، خصوصاً وأن المنطقة برمتها مفتوحة على المتغيرات، مما يستدعي من الإدارة الأميركية إعادة رسم استراتيجياتها في المنطقة، عبر شراكات تطمح إسرائيل في أن تكون جزءاً أساسياً منها، الأمر الذي يقتضي تجميد القضية الفلسطينية، وإبعادها عن أن تكون عاملاً مؤثراً في متغيرات الشرق الأوسط.

 

Email