ما نريده نحن وما يريده عدونا

على مدى أيام الأسبوع الماضي، بدءاً من الجمعة 15 مارس ذكرى اندلاع الأحداث الثورية السورية، مرورا بيوم الأربعاء 20 مارس ذكرى بدء الغزو الأطلسي للعراق، ووصولا إلى اليوم الجمعة 22 مارس ذكرى تأسيس جامعة الدول العربية لتكون مظلة سياسية تكاملية اقتصادية ودفاعية عن الدول العربية ضد التهديدات والتدخلات والاعتداءات الأجنبية.. لا بد أن تتداعى المشاهد بضوئها وظلها، ونستعيد الوقائع بحلوها ومرها، فنسأل أنفسنا؛ هل حققنا كعرب ما كنا نريد، أم حققنا بأيدينا لعدونا أكثر مما يريد، وإلى أين نتجه؟

فبعد عشرة أعوام على غزو العراق تحت علم الديمقراطية، بآثاره التدميرية والفتنوية والتقسيمية، بدءاً بتصفية الجيش العراقي الذي كان حائط صد قوي على الباب الشرقي للوطن العربي.

ومرورا بتدمير البنية الأساسية للوطن العراقي، ونهاية بإشعال الفتنة الطائفية والمذهبية والعرقية، سعيا لتقسيم الدولة العراقية، بهدف أساسي هو حماية أمن إسرائيل.. وبعد عامين كاملين من الانتفاضة السورية، ضمن موجة الانتفاضات الشعبية العربية السلمية والدامية، بداية بما سمي أميركيا بـ"ربيع الديمقراطية"،.

ومرورا بالحراك الشعبي السلمي في تونس ومصر وتداعياته، وبالعدوان الأطلسي المباشر وبالتمرد المسلح في ليبيا ومآلاته، ونهاية بعسكرة الانتفاضة والاقتتال الدامي في سوريا وامتداداته، وباختلاط كل أشكال المجابهة السلمية والدامية بين النظام والمعارضة في اليمن ونهاياته..

وبتداعيات تلك الانتفاضات الإيجابية أحيانا والسلبية غالبا، دون وصول الحراك الشعبي إلى أهدافه، بل في اتجاهه إلى طريق غير الطريق، وباندفاعه نحو أهداف غير الأهداف، بعد فقدانه لبوصلته وركوب قوى داخلية غير ديمقراطية على موجته، واختراق قوى خارجية لحركته، بما دفع الأوضاع من السيئ إلى الأسوأ..

يبدو أننا لم يعد بمقدورنا أن نخفي على أنفسنا أننا نواجه خدعة استعمارية خبيثة ولعبة غربية كبيرة، ففي مثل هذه الأيام قبل عشر سنوات، وبالتحديد في 15 مارس عام 2003، بعد اجتياح القوات الأنجلو أميركية الأطلسية لبغداد، وقف الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الابن كالطاووس، مرتديا ملابس الجنرالات على سطح البارجة الأميركية في البحر المتوسط ليعلن "تحقيق النصر العسكري في الحرب ضد العراق"، وموزعا وعوده الخادعة في الهواء بما سماه دخول العراق إلى "الربيع الديمقراطي"، وبتحويل العراق في مدى عام ونصف فقط، إلى نموذج ديمقراطي في الشرق الأوسط.

لكن لم يمر أسبوع ونصف حتى واجه الوجود العسكري الأميركي في العراق ورطة كبيرة، مع بدء مقاومة شعبية وطنية شجاعة، لم تتوقف إلا بعد إجبار كل قوات الحلف الأطلسي على الانسحاب المهين.

وبعد اليأس الأميركي من تحقيق انتصار عسكري أو سياسي، وبعد أن خرج بوش من العراق مهانا على رؤوس الأشهاد بعد ضربه بالحذاء، وبدا المطلوب أميركيا هو الهروب من المستنقع، بعد الخسائر البشرية والأخلاقية والمادية والسياسية الهائلة.. لقد انسحبوا وتركوا العراق، ليس واحة للديمقراطية، بل ساحة للاقتتال والانقسام!

أما في سوريا فما أشبه اليوم بالبارحة، فلقد قرأنا من قبل مثلما نقرأ اليوم، أن "حكم الأسد ينهار، وأيام النظام باتت معدودة".. بلسان "ديفيد هيرست" المراسل الصحافي البريطاني الشهير في الشرق الأوسط لصحيفة الغارديان، أثناء محاولة الإخوان المسلمين إسقاط النطام السوري بالقوة عام 1980.

وكان النظام فقد سيطرته على أجزاء من الشمال خلال الصدام المسلح مثلما يحدث الآن، وكانت سوريا أيضا في عزلة سياسية عربية ودولية مثلما هي اليوم. ولكن حافظ الأسد بعد ست سنوات من المواجهة، وبعد قمع التمرد الإخواني في حماة بشراسة، نجا في النهاية وأصبح زعيما قويا، ليس فقط سوريا بل وعربيا أيضا.

هيرست كتب هذا في عهد الأسد الأب، وبالتحديد في 15 مارس عام 1980، الذي يوافق يوم اندلاع الأحداث الثورية السورية عام 2011، والتي تحولت إلى اقتتال مأساوي دامٍ لعسكرة الثورة، ما سبب تدهور الأوضاع الإنسانية والأمنية والسياسية والاقتصادية من السيئ إلى الأسوأ، وبما قد يؤدي إذا استمر الاقتتال، إلى إسقاط الدولة بدلا من إسقاط النظام. وإذ كرر الإخوان والسلفية المقاتلة ذات المحاولة بعد 23 عاما، فهل يكرر الأسد الابن نفس النتيجة؟

إن نزيف الدماء بين السوريين يزيد الأوضاع مأساوية، وامتدادات الصراع إلى الجوار تزيد المسألة خطورة بتحولها من أزمة سورية إلى مواجهة إقليمية، بل وعالمية أيضا.

وكما تقول صحيفة واشنطن بوست: "قبل عام قتل 7000 سوري، ولم يكن للقاعدة موطئ قدم, وعارض الرئيس أوباما التدخل الأميركي على الأرض خشية عسكرة الصراع أو خوفا من فوز المتطرفين (كما حدث في ليبيا). والآن, المتطرفون في موقع الصدارة, والقتال يتسرب إلى العراق ولبنان, وعدد القتلى يزيد عن 70000 سوري"!

وطالبت الصحيفة بتدخل عسكري على غرار السيناريو الليبي، مشيرة إلى أن حلفاء أمريكا يطالبون البيت الأبيض بالتدخل العسكري، ولكن الإدارة رفضت التدخل، كما رفضت تشكيل حكومة سورية بديلة، لأن هذا سيتعارض مع خطط للأمم المتحدة للوصول إلى حل سياسي تفاوضي، غير أن هناك تقارير عن عمليات سرية أميركية وبريطانية وفرنسية، لتدريب المقاتلين في معسكرات في تركيا والأردن كبديل، كما دخلت إسرائيل عسكريا واستخباراتيا على الخط!

وسط هذا المشهد الضبابي السوري والمصري والتونسي واليمني والعراقي المضطرب، لا بد أن نسأل أنفسنا؛ لقد استغرقت الانتفاضات والثورات السلمية والدامية عامين، والنتيجة الواضحة أمامنا تدهور واضطراب أمني واقتصادي وسياسي واجتماعي خطير، فكم من الأعوام يا ترى سنحتاج لكي نعيد الأوضاع في تلك الدول فقط إلى ما كانت عليه قبل عامين؟!

أظن أننا بحاجة ملحة، كشعوب وكنخب ثقافية وسياسية، إلى استراحة محارب نعيد فيها النظر إلى طبيعة مسارنا، ونحدد فيها من جديد وجهتنا، ولنسأل أنفسنا: لماذا تحركنا؟ ومن أين انطلقنا؟ وإلى أين نتجه؟ وما إذاكنا ضللنا الطريق أم قفز على مسيرتنا من ركبوا موجتنا وضللونا عن طريقنا وأخذونا بعيدا إلى أهدافهم؟!

وقفة مع الذات للتساؤل والمساءلة، وحوار وطني جامع وجاد للمراجعة والتراجع، وللتقييم والتقويم، وصولا للشراكة الوطنية.

 

الأكثر مشاركة