لا نعرف بعد ما التحدي الكبير التالي الذي ستواجهه وزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون، ولكن لا شك في أنها ستكرس مواهبها العديدة لشيء مهم يستحق الجهد.

وبصرف النظر عما إذا كان ذلك التحدي هو محاولتها لأن تصبح أول رئيسة لأميركا، فإنها في وضع فريد يمكنها من المساعدة في إعادة تعريف النجاح من خلال استخدام خبرتها لمعالجة مسألة التوتر في مكان العمل.

تمثل قلة النوم، والإرهاق، والإنهاك سمات مميزة لثقافة العمل والسياسة الأميركية. وهي لا تسود في أجنحة الشركات وأروقة السلطة فحسب، ولكنها غالباً ما تشكل المعيار الذي يستند إليه التقدم المهني. ولهذا عواقب وخيمة على صحتنا، وعلى نظام رعايتنا الصحية، وعلى أسرنا وأطفالنا، وعلى اقتصادنا. وهو يزيد صعوبة تقديم قادة قادرين على اتخاذ قرارات صائبة.

وتعد هيلاري كلينتون، نظراً لأنها أنجزت الكثير، وفعلت ذلك بطريقة لا تجعل أحداً يشكك في أخلاقيات عملها أو قدرتها أو دافعها أو استعدادها للعمل بجد، في موقف فريد يمكنها من تغيير هذا. فقد أثبتت أن المرأة تستطيع فعل أي شيء، ويمكنها الآن أن تثبت أن المرأة تستطيع فعل أي شيء بشكل مختلف، وبشكل أفضل.

وبالتأكيد، فإنها تعرف جيداً ما المشكلة، وربما أكثر من أي شخص على وجه الأرض، نظراً لأنها قطعت ما يزيد على 900 ألف ميل إلى 112 دولة، وحضرت 1700 اجتماع مع قادة عالميين، وهو الأمر الذي ربما يعد أكثر إرهاقاً، خلال توليها منصب وزيرة الخارجية.

وحول خططها المقبلة، قالت كلينتون لسينثيا ماكفادين من محطة "إيه بي سي نيوز": "آمل أن يتسنى لي الاستيقاظ متأخرة". وأضافت: "سوف تكون تلك هي المرة الأولى منذ سنوات عديدة. لن يكون لدي مكتب أذهب إليه، أو جدول زمني ألتزم به، أو عمل أقوم به".

وإليكم ما قالته لغيل كولينز من صحيفة "نيويورك تايمز": "كل ما أريده هو أن أنام وأمارس الرياضة وأسافر للمتعة. وأن أسترخي. وعلى الرغم من أن تلك الأمور تبدو عادية جداً، فإنني لم أقم بها منذ 20 عاماً. وأود معرفة ما إذا كنت أستطيع أن أصبح غير متعبة".

ولعلي أحلم، ولكن العالم لا يحتاج لأن تصبح هيلاري "غير متعبة" فحسب، ولكنه يحتاج منها أن تصبح في الفصل التالي من حياتها نموذجاً يحتذى به لفكرة أن المرء يستطيع أن يكون غير متعب وناجحاً في آن واحد.

فمن أجدر منها بقيادة مهمة إعادة تعريف النجاح هذه؟ ويكتب مايكل توماسكي في مجلة "نيوزويك"، يقول: "إنها المرأة الأهم في أميركا. بل إنه من شبه المؤكد أنها المرأة الأهم في تاريخنا السياسي بأكمله". وعلى امتداد جيل كامل، كانت كلينتون المثال الأبرز للمرأة الناجحة. ويكتب توماسكي مضيفاً: "خلال السنوات الـ20 التي كانت فيها على المسرح، انتقلت البلاد من التساؤل عما إذا كانت المرأة تستطيع التعامل مع أصعب الوظائف إلى معرفة أنها تستطيع ذلك".

والسؤال الذي يبقى هو: ما الثمن الذي ندفعه للتعامل مع أصعب الوظائف؟ في مقابلة مع مجلة "ماري كلير"، تحدثت كلينتون عن جزء واحد على الأقل من المشكلة، فقالت: "من المهم أن تكون أماكن عملنا أكثر مرونة وإبداعاً في تمكين النساء من مواصلة القيام بوظائف عالية الإجهاد، في ظل رعايتهن لأبنائهن، ولآبائهن المتقدمين في السن (أيضاً)".

ولا يؤثر "الإرهاق البالغ" على صحتنا فحسب، ولكنه يؤثر أيضاً على قراراتنا. إذ وجدت شعبة طب النوم في كلية الطب بجامعة هارفارد أن قلة النوم كانت "عاملاً مهماً" أو لعبت "دوراً حاسماً" في دمار ناقلة النفط "إكسون فالديز"، وانفجار المكوك الفضائي "تشالنجر"، وفي حادثي ثري مايلز أيلاند وتشيرنوبل النوويين.

ويقول أطباء النوم في جامعة هارفارد: "إن الحرمان من النوم يؤثر سلباً على حالتنا المزاجية، وقدرتنا على التركيز، وقدرتنا على بلوغ مستوى أعلى من الوظائف المعرفية. ومجموع هذه العوامل هو ما نشير إليه عموماً بالأداء العقلي".

وفي كلمة وداع ألقتها وزيرة الخارجية الأميركية المنتهية ولايتها، أخيراً، في مجلس العلاقات الخارجية، قالت كلينتون: "إننا بحاجة إلى بنية جديدة لهذا العالم الجديد، إلى أشخاص أكثر شبها بالمعماري فرانك جيري منهم باليونانيين الرسميين. فكروا في الأمر. فقد تبدو بعض أعمال جيري عشوائية في البداية، ولكنها في الواقع مقصودة ومتطورة للغاية.

وفي حين أن بضعة أعمدة قوية كانت في مرحلة من المراحل تستطيع حمل وزن العالم، فإننا اليوم بحاجة إلى مزيج ديناميكي من المواد والهياكل". وبصفتي يونانية، فإنه ينبغي لي أن أشعر بالإهانة. ولكن تلك فكرة ملهمة حقاً. إذ أننا نحتاج بالفعل إلى بنية جديدة.

فقد انهارت الطرق القديمة للقيام بالأشياء. وفي حين أن هيلاري كلينتون كانت تتحدث عن السياسة الخارجية، فإن بنية الكيفية التي نعيش بها حياتنا تحتاج بشدة أيضاً إلى بعض المواد والهياكل الجديدة.

وهذا هو السبب في أنني آمل أن تعود هيلاري، بعد أن تفصل نفسها، وتعيد شحن طاقتها، وتحصل على قسط من النوم، وتصبح "غير متعبة"، إلى الحياة العامة، وتحضر معها خطة جديدة لتوظيف هذه القيم. وفي حال حدث ذلك، فلن يكون هناك سقف لما تستطيع فعله للنساء، ونعم، للرجال أيضاً.